تعد الفعاليات الثقافية و الترفيهية من المسلمات لدى الشعوب المتمدنة على امتداد البسيطة. وقد قامت الشعوب والحضارات بتطوير وسائل الترفيه بشتى أنواعها لتتواكب ومستوى الرفاهية والثراء لديها. ومن الطبيعي أن تتفاوت عملية وضع البرامج الثقافية والثقافية الترفيهية من حضارة إلى أخرى. هنا في الجزيرة العربية لا تخبرنا الكتب الكثير عن وسائل الترفيه الجماعية المتعلقة بالثقافة باستثناء سوق عكاظ ذو الصبغتين الاقتصادية والأدبية معاً. هذا السوق تجتمع فيه أعداد هائلة من الناس ويتم فيه البيع والشراء. كذلك يجتمع الشعراء والخطباء من كل حدب وصوب للتحدي والمفاخرة. ولا أدري إن كانت هناك فعاليات ومناشط ذات صبغة عربية تعنى بالترفيه أو الثقافة للتجمعات السكانية العربية بشكل عام غير هذا السوق أم لا. لكني أرى أن طبيعة العرب البدوية الغير مستقرة والمتعودة على الترحال الدائم لم تستطع إيجاد وسائل ترفيه جماعية واضحة. ولا أدري أأستثني الأعراس أم لا، حيث أن الأعراس أيضاً يتم فيها إلقاء الشعر وتتم فيها المرادات والمساجلات الشعرية الجادة والمسلية، لكنها على مستوى محدود جداً.
هنا في عمان حالنا كحال بقية سكان الجزيرة العربية فقد تحولنا من مجتمعات أغلبها بدوية(لا تسكن المدن) إلى مجتمعات تسكن المدن. وأثناء هذا التحول انفتحنا فجأة على شعوب وثقافات مختلفة تماماً. لم يكن هذا التحول مدروسا من كل النواحي نظراً لانتهاج أسلوب الأولويات والتي تمثلت في التعليم وإنشاء البنية التحتية التي تطلبت تدفق أعداد غير عادية من الأجانب على القرى والمدن العمانية. وبما أننا لا نزال في مرحلة التحول، فإنه من الضروري وضع إستراتيجية واضحة في مجال الثقافة والترفيه تواكب هذا التحول السريع والخطير. وأعتقد أنه يجب الاستفادة هنا من الدول التي سبقتنا إلى دخول هذه المرحلة وتشخيص حالتها الراهنة وكذلك الاستفادة من تجاربها في مقاومة ومعالجة المشاكل الناتجة عن هذا التحول خاصة في الجانب الثقافي والترفيهي.
إن تزايد عدد أفراد المجتمع المطرد لهو سلاح ذو أكثر من حد. فعلى الرغم من ثقافة الهدوء والمسالمة التي يتمتع بها أفراد المجتمع العماني بشكل عام إلا أن التأثيرات الخارجية باتت أمراً لا نستطيع الفرار منه. فالفضائيات والانترنت ووجود أعداد هائلة من العمالة الوافدة من مختلف الجنسيات والملل، كل هذا خلق واقعاً جديداً لدينا. هذا الواقع أثر بشكل مباشر في طريقة تفكير وسلوك الكثير من النشء على امتداد رقعة البلاد. ولا يخفى على أحد الأعداد الهائلة من الباحثين عن "رزق" والتراكمات السنوية من مخرجات الثانوية العامة والكليات الخاصة والحكومية الذين لم يجدوا ما يسليهم غير كرة القدم والقنوات الفضائية وذلك لعدم وجود خيارات أخرى. هذه الأعداد الكبيرة بحاجة إلى وظائف أولا ثم إلى توجيه من خلال وجود خيارات ترفيهية وثقافية متنوعة تستطيع أن تشغل أوقاتهم وأن تسمو بهم إلى العلياء وتشغلهم عن التفكير السلبي الذي يعود عليهم وعلى المجتمع بالويلات، خاصة وأن هذه الفئة هي الأكثر عرضة للتعامل مع الإنترنت كما أنها الأسهل والأكثر عرضة للاختراق.
ما دفعني للحديث في هذا المجال هو ما تقوم به وزارة السياحة -هذه الأيام- خلال موسم السياحة الشتوية. حيث وضعت برنامجاً فنياً ترفيهياً يستهدف السياح الأوروبيين. هذا البرنامج عبارة عن حفلات غنائية وراقصة، عربية وغير عربية تم اختيارها بعناية. وعلى الرغم من أن البرنامج يستهدف السياح الأجانب فقط إلا أنه يعتبر خطوة في الاتجاه الصحيح أتمنى أن تستمر وأن تتنوع وأن تزيد عدد هذه الحفلات وأن يتم استجلاب الفرق الفنية من شتى بلدان العالم. إن ما تم إلى الآن من حفلات(حفلتان) يعد مقبولاً مقارنة بالسنوات التي سبقت والتي لم يكن فيها أي تحرك لمثل هكذا فعاليات، فكما يقال "أن تأتي أخيرا خيراً من أن لا تأتي أبدا".هذه الخطوة تعطي مؤشراً تفاؤلياً بأن القادم سيكون أفضل إن شاء الله.
هنا في مدينة صلالة على سبيل المثال كانت فرقة قمر الأندلس الأسبانية باكورة مناشط هذا الموسم بأمسيتها المعنونة "طريق الفلامنكو الأندلسي" على مسرح المروج. وكانت قد بدأت قبلها بيومين في مسرح الفليج بمسقط. كانت الأمسية في مسرح المروج أكثر من رائعة وقد استمتع جميع الحضور بوصلات هذه الرقصة الاسبانية الرائعة خاصة نحن المواطنون الذين لم نحظ بمشاهدة هذه الرقصة بالعين المجردة دون وسيط. كان الحضور من المواطنين مثل ما كنت أتوقع، قليلاً جداً ولكنه كان مقبولاً كبداية. نحن غير متعودين على مثل هذه الفعاليات في مثل هذا الوقت من السنة. وبما أن الأمسية للسياح الأجانب(نحن تحصيل حاصل فقط!!), فقد قامت وزارة السياحة باحضار السياح الاجانب من منتجعي كراون بلازا وهيلتون. ولولا المشاكل الفنية البسيطة التي ظهرت في الصوت في البلداية أثناء عزف أحد الفنانين على آلة القانون، لولا لذلك لكانت الأمسية عشرة على عشرة.
لقد حركت هذه الأمسية الفنية الراقصة ركود الموسم الشتوي الخالي تماما من الفعاليات الفنية أو الثقافية أو الترفيهية في صلالة، شأنه شأن معظم الفصول الأخرى باستثاء موسم الخريف المرتبط بمهرجان صلالة السياحي. ولن أُغفل هنا دور وزارة التراث والثقافة التي تقوم برعاية فعاليات "ملتقى ظفار الثقافي" الذي يقام بشكل سنوي حيث أنهى هذا الملتقى دورته السابعة -أعتقد- العام الماضي. أتوقع لهذا الملتقى أن يتطور إذا قامت الوزارة بالاعتماد على كوادر شابة ووسعت نطاق المشاركة وتمت استضافة مفكرين ومثقفين كبار على مستوى الوطن العربي.
أرجع لأمسيات وزارة السياحة، فقد حضرتُ الأمسية الثانية في مسرح المروج يوم الأربعاء 13/01/2010م وكانت جيدة جداً للمهتمين بالغناء والأصوات الجميلة. فقد أدت الفنانة المغربية " نزيهة مفتاح" أغاني فيروز بكل إحساسها وقد استمتعتُ كثيراً جداً وأحسب أن كل من حضر قد استمتع. كان أداءها لأغنية "مدينة السلام" حماسياً جداً ولا أدري إن كان في الحضور أحد الصهاينة أم لا! ولا أدري إن كان موجوداً وفهم الكلمات هل سيرد عليها وعلينا بأن "القدس ليست لكم"؟ المهم في الأمر أن الأمسية كانت جيدة وقد تكون مملة للبعض نتيجة الغناء المتواصل والذي لم تصاحبه أي فرقة راقصة.
ما أود إضافته لهذه الأمسيات هو الفنون العمانية. فلأن الحضور والمستهدف الأكبر هم السياح الأجانب فمن الأجدى أن يكون هناك حضور ولو رمزي للفن المحلي لكي يستطيع السائح أن يتفاعك بشكل أكبر وأن يحس أنه سافر إلى بلد ثري بالفنون، لأنه إذا كانت غاية السائح مشاهدة الفنون الاسبانية فقط فلن يسافر إلى عمان بل سيتجه إلى اسبانيا مباشرة.
أخيراً نحن ننتظر القادم بشغف ونتمنى على الجهات المعنية بالثقافة والفنون والترفيه أن تهتم بالمواطنين فهم بحاجة إلى كل هذا، ولا يجب أن ننتظر مواسم السياحة لكي نجود على المواطن بأمسية أو فعالية ثقافية أو فنية. إذا كان المواطن هو الغاية فوجهو الخدمة له مباشرة فهو يستحق. نحن بحاجة إلى استراتيجية شاملة في الشأن الثقافي والترفيهي تستهدف المواطن وتعتني بالأجيال الجديدة وفق رؤية مدروسة بعناية.
سلام الله أخي محفيف .
ردحذفبحق أنت مُدهش في سردك .
مقال ولا أروع .
لا أجد ما أضيفه أكثر هُنا .
فالفكرة في المقال متكاملة جدا .
شكرا لك ولثقافتك أخي .
أختي العزيزة عُلا
ردحذفأشكر مرورك وإطراءك
نحن نتعلم منكم دائماً