في الخريف، الجبال تلبس الضباب بينما تكون السماء مشدودة إلى الأرض بخيوط المطر ..وإذا تنفست السماء قليلاً تشمر الجبال عن أسفلها ليكسو الضباب نصفها العلوي فقط.. كالحلم تبدو.. نصفها غائرة في أحشاء الضباب.. آه منك يا خريف.. تأسرنا وتحبسنا في أزقة المدينة وتحرض الجبال لتنادينا كل يوم ؟! .. آه.. ما أجمل الجبال متجليةً و نصف متجلية.. هو الخريف من يتحكم بحشمتها..
*****
في المدينة، الراجلون مشمرين عن أسفل سيقانهم.. يمشون بحذر.. نسوا السماء .. نسوا ما حولهم وشغلتهم مواطئ أقدامهم.. في الخريف يفترش الماء الأرض ويجبر المارين أن ينظروا إليها مهما كانت كمية المطر تنهمر من السماء.. فالأرض زلقة والمياه الراكدة عدوة الثياب..
المستنقعات الصغيرة وحلة وهي كالجداول الصغيرة متشابكة .. ذلك جزء من هذه المدينة في هذا الوقت من السنة.. هم يحبونها هكذا..أنا أحبها هكذا.. وهي جميلةٌ هكذا.. ورغم ذلك كُثُرٌ هم من ينادون بتحديث المكان ورصفه وأنا وحدي من يقاوم.. هل هي أنانيتي أم ذكرياتي؟.. لا أدري.. ربما هو المكان الذي لا أريده أن يتغير... بل هي الأنانية.. أنانيتي..فأنا وحدي من ينادي بالجمود لمتعتي الشخصية ولذكرياتي.. إنه إحساس الخريف
*****
الراجلون في المدينة يهرعون إلى حقول مزارعهم..يحرثون.. يرمون بذورهم.. يزرعون.. والسماء تتكفل بالباقي.. ليس هناك من داع لمياه الآبار..آه ما أكرم الخريف..
****
في الخريف، وحده الصياد لا يستطيع مزاولة نشاطه المعتاد.. فالخريف يستفز كبرياء البحر على حساب الصياد.. يزمجر البحر ويهيج ويزبد فيعجز الصياد عن ترويضه فيتخلى عن ركوبه ليستريح برهة من الزمن.. قد يكون ذلك خيراً له .. لأنه لا يرى مدينته بالنهار إلا في هذا الفصل من السنة.. يتجول في أزقتها وإذا أحس بالأمان من الأرض الزلقة يقف.. يوزع ناظريه فيما حوله من بيوت وهو مشمر.. يتحسس تفاصيلها وألوانها التي لم يكن يركز فيها من قبل في عتمة الليل وهو ذاهب إلى البحر.. يحس برائحة المكان.. آه ما أجمل المكان.. لقد عاد الصياد طفلاً يتجول في أزقة المدينة مشمراً لكنه أقل شقاوة من ذي قبل.. إنه إحساس الخريف.
*****
في المدينة، عندما يرفع الراجلون أبصارهم ناحية الجبال تسبح في رؤوسهم مشاهد الرعيان.. تطربهم مناظر الذين أجبرهم الخريف أن يشمروا عن أسفل سيقانهم وهم يتتبعون آثار ماشيتهم في الحقول الخضراء الموحلة ممسكين بعصيهم لتسندهم وحافيي الأقدام.. تطربهم ألأصوات التي تخترق الضباب بين الفينة والأخرى وهي تنادي بعضها البعض لتسأل : هل وجدتم شيئاً؟(كيسكم شي؟).. الكل مشمر هناك وكذلك أنا والجبال..آه ما أجمل الخريف والرذاذ.. ما أجمل المطر.
*****
في الخريف للعشق مساحة.. في الخريف ينتظر الفتيان خروج الفتيات.. الخريف وحده من يجبر الشموس أن تتجلى على الأرض.. فشمس السماء لا مجال لها هنا.. يتساءل البعض في الخريف .. ما شكل الشمس وما لون السماء؟ هل الشمس دائرية فعلاً ؟!.. مربعة ؟!.. مثلثة؟! قد تكون... فشمس السماء غائبة وكذلك لون السماء..على من يحن إليهما أن ينتظر شهر أيلول..
في الخريف تبان الشمس في كل زقاق وكل حقل وكل جبل وكل واد.. ليست في السماء بل راجلة..
عندما تكشف الحسناوات عن أسفل السيقان بعفوية خشية ابتلال الثياب في الخريف، عند ذلك تضيء الأرض قناديلاً وتخترق أعمدة النور أكباد الضباب.. إنه كرم التشمير.. عندها لا نحتاج إلى شموس السماء فلدينا ما يشغلنا ومن يشعلنا.. في غير الخريف هناك شمس واحدة وفي الخريف الشموس تتناثر كحبات اللؤلؤ على مخمل أخضر.. الآن يبدأ السحر وتبدأ قصص الغرام وقصص العشق العذري الطاهر.. يبدأ الشعراء في نظم قصائدهم .. فالكل شاعر إنه كرم الخريف.. إنه كرم الخريف..هفدا الخريف.
كل الشكر للبجز
واستويت شاعر أشوفك ..
ردحذفأعوذ بالله ليش تسب يا معاوية؟ :)
ردحذفI love this
ردحذفMe too
ردحذفغير معروف 1
ردحذفشكراً لك
غير معروف2
ردحذفشكراً لك أيضاً :)
اخر لقانا في الخريف
ردحذفتذكر الثوب الخفيف
والبرد يوم خفتي علي
من البرد وامطار الخريف
مرت سنة يمكن سنين
ويني انا وين السنين
كلمات المبدع: بدر بن عبد المحسن تذكرتها عندما قرأت موضوعك... أغنية أصيل ابو بكر...
رائعة كلماتك يا محفيف... جدا رااااائعة....
لي عودة ان شاء الله لأرضي قريبا... لما يقرر الوالد موعد الرحلة القادمة سوف أرجع لهذا الموضوع...
خربشاتي :)
أشكر إحساسك المرهف يا أماسي
ردحذفبدر مبدع ومن يطرب لبدر لا يقل ابداعاً
أنت مبدعة
لست أكثر منك ابداعا...
ردحذفالابداع ما كتب أعلاه وما خطته يمناك، فأنا لم أرى من قبل نظرة للخريف كنظرتك... ابداعية، مرهفة، واحساس جميل يدل على ان تلك الكلمات خرجت من انسان لديه نظرة عميقة وغير عادية ابدا... خرجت من انسان مبدع بحق....
تحياتي المخربشة :)
طاح محفيفي :)
ردحذفأخجلتيني والله(تعالي شوفي خدودي :))