السبت، 8 أكتوبر 2011

أين الأمان؟


الشباب يريد الأمان لكي يتحرر..
جميل أن يتم تقدير عامة الشعب.. جميل أن نعي أهمية صوت الشعب.. جميل أن يلتفت من يعتقد أنه خارج السرب إلى السرب ليس تكبراً بل تقديراً واحتراماً للسرب الذي هو الشعب.. لكن الأجمل أن يحس الشعب أنه مؤثر وأنه لم يعد نكرة وعالة وأن مستقبل البلد هو من سيقرره.
الجميل أيضاً والمبشر بالخير هو أن الجهات الأمنية سمحت لمترشحي مجلس الشورى بتعليق صورهم الدعائية على  لوحات الإعلانات المتناثرة على ضفاف الشوارع وفوق البنايات في جميع المدن والولايات. صحيح أنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها السماح للمترشحين بتعليق صورهم ولكن لا يمكن المقارنة بين هذه الدورة والدورة السابقة، حيث زاد عدد المترشحين وكبرت الصور وانتشرت الاعلانات في كل الولايات.
قبل الشورى، لم يكن بالإمكان أن نجد صور في الشوارع أو فوق البنايات إلا لرجل واحد في هذا البلد ولكن بفضل الإعلام العالمي والعولمة  واستحقاقات المرحلة  أصبح لزاماً لمن يريد أن ينخرط في عمل ديمقراطي أو شبه ديمقراطي أن يعطي فرصة لمن لديه الرغبة في الترشح أن يعرف الناس بنفسه كحدٍ أدنى وهذا ما يتم الآن في عمان حيث استطاع الناخب أن يصل إلى أكبر عدد من المواطنين من خلال صورته واسمه وقليل من البيانات الشخصية.
أعلم أن معظم من ترشحوا لفترة مجلس الشورى القادمة  من ظفار تحديداً ليس لديهم أمل في الفوز ولكن استغلالهم لفرصة الظهور  كشخصيات عامة في المجتمع وتوظيفهم لهذا الحدث الكبير لإضافة سطر في سيرهم الذاتية لهو جدير بالتقدير ونقطة لا يعي أهميتها الكثير ممن يستغربون من هؤلاء كيف أنهم تجرءوا أن يرشحوا أنفسهم في ظل تحالفات قبلية لا تبقي ولا تذر. إن مجلس الشورى والترشح له والتورط فيه فرصة كبيرة لمحبي الظهور الذين يسعون لفرض أنفسهم على الحكومة أكثر من فرض أنفسهم على المجتمع. هذه الثقافة لا تزال مستهجنة من عامة الناس ولكنها هي التي ستسود في المستقبل لأن من يتجرأ ينتصر كما يقول المثل. كما أن الإعلام هو الذي سيحسم المعارك الانتخابية في المستقبل وأقصد هنا الإعلام الشخصي أو الدعاية الذاتية والظهور أمام العامة لكشف أهداف وشخصية المترشح على حد سواء.
تجربتنا –في عمان- إلى الآن جميلة إذا قسناها بأنفسنا فقط لأنها تعطينا جرعة محفزة لعمل أكبر في المستقبل. صحيح أن مجلس الشورى لدينا يُعتبر "لعب عيال" مقارنة بالتجارب الديمقراطية في العالم ولكنه تمهيداً جيداً وفرصة كافية لأن يتحرك الشعب من تلقاء نفسه لإحداث تغييرات في  نهجه وتفكيره  وسلوكه تجبر الحكومة في المستقبل لإحداث تغييرات أو تنازلات لصالح الشعب.
الملفت للنظر وغير المستغرب أن إعلانات المترشحين لا تحمل أي وعود للناخبين وهذا يعود إلى أن صلاحيات مجلس الشورى لا تزال استشارية إلى الآن -كون الصلاحيات التي وعدت بها الحكومة لم تر النور بعد- وعليه فلا يمكن للمترشح أن يعد المواطن بشيء. هذا الأمر ساهم مساهمة كبيرة في بقاء الناخبين في خنادقهم القبلية كون المقعد يُعتبر إلى الآن وجاهي أكثر منه تكليفي أو وطني.
هناك من يقول أن الوقت قد حان لأن يتحمل الشعب نتائج الانتخابات القادمة وأن هذه هي الفرصة المواتية لأن يتحمل الشعب المسئولية وكأن كل الظروف قد تهيأت للشعب. ليس من المنصف أن يتم رمي الحمولة على الشعب في حين أن الحكومة لم تساعد المواطن لكي يتحمل المسئولية. لا يزال المواطن لا يشعر بالأمان الحقيقي لذلك تجده يرجع دائما إلى قبيلته وتحالفاته. المواطن لم يحس بجدية الحكومة في العملية الديمقراطية والإصلاح وخاصة الشباب لهذا لا يمكن لهم -رغم مقتهم الشديد للتحالفات القبلية ورغبتهم الشديدة في الخروج من هذا المستنقع- أن يتركوا ما وجدوا عليه آباءهم وأجدادهم مقابل لا شيء أو بدون ضمانات.
لا بد أن نتذكر أن الحركة الشبابية الأخيرة التي نتج عنها ما نتج من توظيف وإرباك لخطط الحكومة، قد كشفت عن مشكلة كبيرة جداً وهي أن اتخاذ القرار النهائي ليس بيد الشباب. ظلت القيادات القديمة هي الموجودة سواء في المجتمع أو في الحكومة وظل الشباب في حيرة من أمرهم  هل يستمرون في المطالبات عن طريق الاعتصامات  والاحتجاجات أم يتركوا الأمر للظروف والضغط الإعلامي النتي تحديداً ويظلوا هناك في العالم الافتراضي بينما العالم الواقعي يتحزب بحثاً عن الأمان.  لذلك لا تزال الساحة بيد الحرس القديم والشباب متفرجون أو مهمشون عندما رجعوا إلى تجمعاتهم وقبائلهم. نعم كونوا قوة غير عادية عندما تجمعوا في اعتصاماتهم ولكنهم رجعوا فرادى إلى قبائلهم مما حدا بهم إلى الانخراط فيما كان عليه آباءهم أو ترك العملية برمتها وإخلاء الساحة للاعبين القدامى(الخبرة).
صحيح أن معظم الشباب العاطل  اشتغل وخاصة ذوي الشهادات ولكن الأمر الديمقراطي لم يتم استيعابه بعد وأصبح الشاب الذي نادى بالحرية  ونبذ التحزب الجاهلي أمام حيرة كبيرة من أمره هل يشغل ضميره أم يرجع إلى المنطق الواقعي والبراجماتية؟ هذا واقع لم تسعفنا تجربتنا البسيطة في تجاوزه.
عندما أرادت الحكومة أن تحمي المها العربي والغزلان والطيور وغيرها من الحياة البرية سنت لها القوانين الكفيلة بإنجاحها وطبقتها  ونجحت، ومثل ذلك ينطبق على كل شيء في عمان ومن ذلك الديمقراطية وخاصة في الشورى.
الخلاصة أن على الحكومة – كونها اللاعب الأكبر في الساحة- أن تكون جادة وسترى الشباب ماذا سيفعل عندما يحس بالأمان.
  ********

بعضما قالوا
تعليقات على  بعض ما قرأته في لوحات المترشحين:
أحدهم يقول: "أصواتكم أساس التغيير ومعاً نحقق الهدف" وهنا من حق المواطن أن يعرف أي تغيير وكيف سيكون وما هو الهدف وكيف ستصل بنا إليه؟!!.
مترشح آخر يقول: " بوعيكم صنعتم المرحلة وبدعمكم وخبرتنا نواصل المسيرة "  ومن حق المواطن الناخب أن يسأل أي مسيرة؟ وكيف صنع المواطن المرحلة إذا كان المجلس هبة من الحكومة؟!!!!
مترشح آخر يقول:" معاً من أجل التنمية وبناء المستقبل" ومن حق المواطن أن يسأل كيف ستقوم بذلك لكي نساعدك؟!!
وهناك مترشحين صريحين قالا: " بأصواتكم نحقق الآمال"  و " معاً الطموح يصبح واقع" وأنا هنا أحيي هؤلاء على صراحتهم الغير مقصودة -ربما-  لأن العبارتين السابقتين تحتملان معنيين أو حمّالتي أوجه كما يقول الفقهاء. أسوأ المعنيين يقول بأصواتكم سأحقق أنا آمالي بالوصول للمجلس. كما أن الآخر قد يقصد أنه كان يطمح بالوصول إلى المجلس وبأصواتنا سيحول هو طموحه إلى واقع. من حق المواطن أن يعرف كيف سيقوم هذا العضو أو ذاك بشرح تلك العبارات العامة.
أحد المترشحين قال في لوحاته: "الرؤية الشاملة" كأنه اسم شركة :) و " بصوتك يبدأ التغيير" و " صلالة تستحق الأفضل.. حان وقت التغيير " و " جيل جديد لمرحلة جديدة ". لا أدري ماذا تعني عبارة "حان وقت التغيير في صلالة"؟!! تغيير ماذا؟ وما عساه أن يغير في مجلس لا توجد فيه صلاحيات ؟ وماذا سيفعل أكثر من الحكومة كما قال عادل إمام(إنته تعرف أحسن مالحكومة؟!).
اعجبتني عبارة أحد المترشحين التي قال فيها: " ترشيحكم لنا أمانة سنحملها بكل صدق". لقد اختار العبارة التي تتناسب مع المجلس. أنا أعتبر ذكره الأمانة أمر هام جداً ولكن لا نستطيع أن نتحقق من مدى أمانته إلا بعد أن يجرب هو أربع سنوات كعضو في المجلس، أحس أنه ذكي جداً الله يوفقه :).
مترشح آخر أتى بعبارة قوية جداً وهي " كفاءة الأفعال أصدق من الأقوال".. بالفعل الأفعال أفضل من الأقوال ولكن كيف؟! وهل هناك شيء على الأرض يدل على أن أفعال سعادتك أفضل من المترشحين الآخرين مثلاً؟، قد يكون لهذا المترشح أعمال خيرية أنا أجهلها.
أحد المترشحين كان شعاره متناسب مع مجلس الشورى وبدون شطحات قال " تنفيذ اختصاصات مجلس الشورى بفعالية لتنمية مستدامة" وهذا يعطيني انطباع أنه ما راح يفعل شيء لأن مجلس الشورى بدون اختصاصات تنفيذية  إلى الآن ولكن المترشح هنا يعطينا أمل أن الصلاحيات التي ستمنح للمجلس سيقوم هو بتنفيذها بفعالية من أجل التنمية المستدامة التي نحن بحاجة إلى شرح ماذا تعني؟! علف مثلاً :)؟!
قبل أن أختم أحببت أن أضع هذه العبارة التي رصدتها في إحدى ولايات محافظة ظفار لأحد المترشحين تقول: " أريافنا الخضراء رمز عزتنا ومن مراعيها مصدر رزقنا فلنحافظ على صيانتها" .. لا أدري هل هذه اللوحة تخص وزارة البيئة أم الزراعة أم أن صاحب هذه اللوحة لديه النية لتمديد فترة الأمطار الموسمية؟!.. لا شك أنه يدغدغ عواطف الرعاة لكنه نسي أن يلعب على وتر الأعلاف الأكثر إطراباً لنا نحن الرعاة :).
الختام مع المترشح السوبر الذي خاطب الكبير والصغير.. الذكر والأنثى.. صاحب العبارات الرنانة التي تدغدغ المشاعر. هذا المترشح خاطب الشاب والمرأة وخاطب صلالة ومن أجل صلالة، تكلم عن الاستثمار والسياحة ولكنه نسي أو تناسى الأعلاف :). هو صوت الشباب  النابض من أجل صلالة، لديه عبارة شهيرة تقول: "العيش الكريم والعدالة الإجتماعية حق كل مواطن ". هذه العبارة لا تصلح لمترشح مجلس شورى بل هي شعار حملة شخص مترشح لرئاسة حكومة. شخصياً استغربت كيف سمحت الجهات الأمنية باستخدام هذه العبارة لمترشح مجلس شوري لا يقدم ولا يؤخر إن فاز. بطبيعة الحال العبارة قمة في الروعة ولكن ليس لهذا المترشح أو ذاك أن يدغدغ بها مشاعرنا دون أن نعرف ماذا يمكن لعضو مجلس شورى أن يفعل في ظل عجز وزراء عن أداء مهامهم لصعوبة المهام ولقلة الخبرة.
 معظم العبارات تلمح إلى أن الوضع الحالي بحاجة إلى تغيير وأن المترشح سيكون السبب في ذلك. لم يستخدم المترشحون  في لوحاتهم الإعلانية عبارات تلمس واقع الانسان البسيط ولم يتطرقوا إلى محاربة الفساد أو النهوض بالتعليم أو حل مشكلة البطالة. لم يتحدث أحد عن البيئة أو التلوث. لم يتحدث أحد عن المياه أو النفط أو الأسعار أو الرواتب أو  أو أو... يبدو أن هناك عبارات محظورة لا يمكن هم استخدامها لذلك ظلت الشعارات عامة و مبهمة ولا تحمل مضمون حقيقي.
ملاحظة: يجب أن أشير إلى أن بعض المترشحين كانوا على تواصل مستمر مع الناخبين من خلال مقار انتخابية أقاموها  للتواصل مع الجمهور وهم لا يزالون مستمرين في محاولاتهم انتزاع أصوات الناخبين. هذه الحركة هي أروع ما في العملية برمتها حيث أن المواطن استطاع أن يناقش المترشح بشكل مباشر وأن يصل إلى معرفة بمدى قدراته كما أن المقار أصبحت دورات تدريبة للجمهور وحلقات نقاش مفتوحة.

ملاحظة أخرى: هذه التدوينة ليست مكرسة ضد أي من المترشحين ولكن المترشحين وضعوا أنفسهم أمام الجمهور كشخصيات عامة وجب علينا أن نتناولها حسب ظهورها الذي رأيناه.
أتمنى للجميع التوفيق..

هناك 6 تعليقات:

  1. لازم أعبي الاستمارة أكثر من مرة يعني :)؟

    ردحذف
  2. الهدف الأول لكل مترشح لهذه الفترة هو أن يصبح وزير ليس المطالبة بالاصلاح أو تعديل الوضع الحالي الرديء جدا.. رأي الشخصي

    ردحذف
  3. مرحبا متفائلة
    كثير من المواطنين يرددون هذا الكلام..
    في الأخير الحكومة(السلطان) هي التي تختار الوزراء وليس الشعب لهذا لا يعني الفوز بمقعد في المجلس أن سعادته سيتحول إلى معاليه :)

    ردحذف
  4. رااائع يا محفيف.

    ولأن المسألة لعب عيال فإني أخاف أن أقدم صوتي لأحد. ردود رائعة على ما يقوله المترشحون. كلما قرأت شيئاً مما يقولون ينتابني شعور بالغثيان، فلا أظن أن معظهم يعرفون ماذا يقولون.

    ردحذف
  5. مرحبا ميمي..
    يبدو أنني لن أصوت.. أتمنى للجميع سفرات موفقة إلى المجلس في مسقط :)

    ردحذف
  6. سألت أهلي اليوم لمن سيصوتون. من الواضح أن هناك عقلية واحدة تدعوهم للتصويت لشخص معين، بالرغم من أنهم أخذوا يسألون بعضهم، "ها ما قلتوا لمين باتصوتون؟!! "

    طبعا لن أصوت أنا أيضاً.

    ردحذف