الموظف العادي بدأ يعي أن الشهادة أصبحت مهمة لصعوده في السلم الوظيفي بعد أن رأى زميله الأقل منه كفاءة في العمل قد أصبح رئيسه. أصبح رئيسه فقط لأنه استطاع إحضار شهادة ماجستير من إحدى الدول العربية أو من الهند وأحيانا من بريطانيا. هو يعرف أن رئيسه الجديد لا يملك مهارات ولا قدرات إدارية أفضل منه ولكن طريقة المؤسسة في الترقية وإعطاء المناصب الادارية تنتهج هذا النهج دون البحث عن قدرات الشخص الحقيقية أو البحث من أين أتى بالشهادة وكيف؟. في هذا الوقت بالذات أدرك الموظف أن عليه جلب الشهادة بأي طريقة كانت وقد فعل.
طلب تفريغ بعد أن سجل في إحدى الجامعات و أتى بالشهادة حسب المطلوب؛ مصدقة من الخارجية والتعليم العالي وأماكن أخرى. رجع إلى مقر عمله فاتحاً فاستلم منصباً يتماشى مع شهادته. أصبح يخطط لمستقبل العمل. وضع الخطط وألزم بها من هم تحت إمرته. تطور العمل وفق المنهجية التي وضعها. تطور العمل في رأسه وحسب مفهومه ولكنه على الأرض كان يتدهور أي العمل..
صاحبنا لا يملك أي مهارات ولم يدرب نفسه على شيء سوى تلك الشهادة التي أنفق عليها المال والولد ( كيف الولد؟ سأشرحها في التعليقات إذا حد طلب مني ذلك :)).. ماذا نتوقع من الخطط التي وضعها صاحبنا؟! سأجاوب.. بالتأكيد ستأتي متوافقة مع مستوى تفكيره أي أنها ستكون عقيمة في أغلب الحالات لأن فاقد الشيء لا يمكن أن يعطيه. هذا لا يعني أن صاحبنا سيئ أو نيته سيئة ولكنه وُضِع في المكان الخطأ فأتى بالأخطاء وهنا نلوم النظام الذي سمح له أن يتبوأ منصباً قيادياً كان بالإمكان أن يكون فيه غيره الأفضل منه. تراكم الأخطاء والقرارات الارتجالية أدت إلى ترهل المؤسسة التي على رأسها صاحبنا. أصبح الجهل ينتج جهلاً آخر وتراكم إلى أن أصبح طبقات لا يمكن إزالتها إلا بأصابع الديناميت.
يتكرر هذا الأمرعندنا في عمان كثيرا ولكنه في ظفار يبلغ أوجه حسب رؤيتي المتواضعة وهذا هو سبب بطء التنمية والتطوير عندنا.. وجود الأشخاص "الخطأ" في الأماكن الخاطئة هو الطابور الخامس.. هو السرطان الذي يجب استئصاله مهما كلف الثمن.
بعدما عملت مسح للوضع العام في عمان اتضح لي بما لا يدع مجالاً للشك أنه سيتم قهر الجهل والتخلف في كل بقاع عمان وإن كان بعد حين لكنه سيمكث ردحاً من الزمن -بعد رحيله بسنوات من بقية مناطق عمان- في ظفار نتيجة وجود طبقات من التخلف في المواقع المؤثرة. فما لم يتحرك المخلصون للثورة على الوضع الراهن فإن الكثير من المال والوقت سيهدر في غير موضعه وتحت شعارات رنانة ووطنية..
الثورة المطلوبة هنا سلوكية وفكرية.. هي ثورة على التخلف الموجود في المؤسسات الحكومية والثورة على السلوك السيء الناتج عن اليأس من تحسن الأوضاع نتيجة الواقع السيء لهذه المؤسسات وأخص بالذكر هنا مؤسسة الحكم المحلي المتخلفة جداً (مكتب محافظ ظفار) ومؤسسة التربية والتعليم بالمحافظة.
هاتان المؤسستان من أهم ركائز التغيير في المحافظة لأن مكتب المحافظ يدير كل المناطق في ظفار والمدارس موجودة في كل قرية.
مكتب المحافظ يعتمد في توزيعه للولاة ونوابهم ومساعديهم على التوزيع القبلي ولا بأس إن كان مبني على أساس ومعيار حديث لكن ولسوء حظنا ليست لديه سياسة واضحة لتجديد الدماء أو لاستقطاب للعقول الادارية الواعدة الكفيلة بتطوير عمل المكتب بل يعمل وكأنه يمثل دور الدولة العثمانية في تعاملها مع المنطقة العربية عندما حاصرتها وحافظت على تخلفها لقرون قبل أن تحرضها بريطانيا على الثورة.
لا أستطيع القول أن المكتب يقصد ما يفعل وأنه يكرس تخلف المحافظة عن سابق إصرار ولكني موقن أن السبب الرئيسي لكل هذا الخمول هو وجود أشخاص غير مؤهلين في الأماكن والمراكز التي لا يجيدونها. لهذا أتمنى أن يكون المكتب وراسمي سياساته قد تعلموا من درس الاعتصام الذي كان على بابه أي باب المكتب.
عندما يختل معيار الكفاءة وينخر التخلف في جسد المؤسسة ويحصل الانسداد فلا بد من صدمة لإحداث التغيير.. والصدمات أنواع وأشكال نقطة
الله يساعدك على هذا الهم.. هذه " أم " المسائل، ظفار فعلا تتأخر في كل شيء! لماذا ؟. أتمنى توسيع الحوار وتطوير هذا المقال إلى ندوة حقيقية للنظر في مشاكل ظفار التنموية من حميع الجوانب.
ردحذفمرحبا أبوفيصل طابت أوقاتك..
ردحذفالموضوع متشابك ومتشعب ... مجموعة عوامل ساهمت في تفاقم الوضع. قد نظلم جهة على حساب جهة ولكن الأفراد لهم دور كبير في تفاقم المشكلة وتضخمها... بالفعل الأمر بحاجة لندوة...