السبت، 19 يناير 2013

أسباب للخوف


أسباب للخوف والقلق
بداية لا أشك ولو للحظة أن هناك نية سيئة للحكومة فيما أقدمت عليه بعض أجهزتها من اعتقالات ومحاكمات واستدعاءات لناشطين من الشباب الحالم بعمان بجديدة. وفي الوقت الذي لا أتهم فيه الحكومة بالنية السيئة لا أستطيع أن أمجد ما قامت به من تكبير وتضخيم لما لا يستحق التكبير والتضخيم-في رأيي المتواضع- ناهيك عما تم من تشهير وإحراج للمعتقلين وأسرهم والرعب الذي أثارته تلك الهجمة الشرسة في نفوس من يعتقدون أن عمان تغيرت إلى الأفضل من ناحية حرية التعبير. لقد خلقت الحكومة "من خلال أجهزتها المنفذة لما تم" أعداء من لا شئ واستفزت مشاعر عدد لا يستهان به من المواطنين ممن يريدون التغيير الناعم الذي يقوم به جلالة السلطان. لقد وضعت الأجهزة اﻷمنية التي يبدو أنها تدير ما يجري، وضعت الناس أمام خيارين؛ إما الموافقة على القبضة اﻷمنية الحديدية وانتظار إملاءات طرف واحد والتسليم بأن انتقاد الحكومة هو انتقاد هدام ويشكل خطر على أمن واستقرار البلد، أو الوقوف مع المنتقدين الذين هم بالضرورة جاحدين كفار بالنعمة حاسدين ولا يهمهم أمن البلد ولا استقراره(حسب رأي منتقديهم). إن وضع العامة أمام هذا التصنيف يعد من اﻷخطاء التي تشكل خطر على وحدة الصف على المدى القريب والمتوسط ويمهد لعواقب قد تكون سيئة على استقرار البلد خاصة إذا بالغت كل جهة -وخاصة القوية الآن- في إقصاء الطرف الآخر. إن تعميق الخلاف وتكبير الشق والتحدي الذي يوحي بأن "صاحب النفس الطويل هو المنتصر" لن يحل المشكلة القائمة.
نحن نعلم أن هناك أخطاء كبيرة في مسيرة نهضتنا التي نعتز بها في الوقت الذي نعلم أن هناك انجازات عظيمة ونعلم أن إنكار الحالتين غير منطقي لهذا لا يمكن أن نظل على هذه الحالة من التحدي من أجل أن يغلب طرف الطرف اﻵخر على الرغم من أن معظم من ينتقدون الحكومة لا ينكرون الانجازات التي تمت. حسب رؤيتي أن الطرف القوي في اللعبة هو الحكومة بحكم سيطرتها على كل شيء ولهذا لا يجب أن تكون جزء من المشكلة لأنها إن أصرت على ذلك فسيعطينا ذلك انطباع أنها تتستر عن عمد على أخطاء أفراد فيها وبالتالي فهي تربط سمعتها بسمعتهم لدرجة أن انتصارهم هو انتصارها وهذا أمر خطير للغاية لأن الحكومة هنا أصبحت طرف في المشكلة.  
حسب معرفتي بأطروحات الشباب المعتقل وأخص بالذكر المعتقلين في ما يسمى بقضية التجمهر، حسب معرفتي ببعضهم لا يمكن أن يكون ما يطرحونه خطراً على مستقبل البلد ما لم تثبت عليهم تهمة التآمر لأعمال عنف أو قلب نظام إلى غير ذلك مما لا نعرفه. من يطالب بإنقاذ البلد من الفساد وإشراك الشباب في الحياة العامة وتحريك الماء الراكد لا يمكن أن نكافئه بالسجن. من ينشط من أجل إشراك الشعب في تحمل مسئولياته ومشاركة صانع القرار في الرؤية والبناء لا يمكن أن نكافئه بالسجن والتشهير. من يخاف على المنجزات ويتطلع إلى المستقبل بهمة ونشاط من أجل حياة زاهرة للأجيال القادمة لا يجب أن يصنف كمخرب. من يقف وقفة احتجاجية بسبب سلوك عنيف من قبل بعض الجهات الأمنية تجاه بعض المواطنين الذين يسعون إلى صناعة مجتمع مدني مسئول، من يقف تلك الوقفة لا يجب أن تكافئه الحكومة من خلال جهاتها الأمنية بما حصل من اعتقال وتوقيف وتشهير وتمييز.
لا أستطيع أن أدافع عمن ثرثر في الفيسبوك نتيجة لواقع الفساد الذي يراه ولا يستطيع أن يثبته، لا أستطيع أن أدافع عمن "أفلتت" منه بعض الكلمات النابية تجاه أي مسئول ولكن في نفس الوقت لا أرى أن العلاج هو السجن وخلق أعداء وتكبير الموضوع وكشفه لأكبر عدد من المواطنين الذين قد لا يستطيعون الإقدام على نفس تلك الألفاظ الآن لكنهم لا شك سيبحثون عن طرق جديدة لتنفيذ ما يجوش في أنفسهم نتيجة لبعض ما يرونه. لا زلت أقول أن ما قام به الادعاء العام أساء إساءة كبيرة إلى الرمز حتى وإن بدا ما قام به دفاعاً عن الرمز وستكشف الأيام ذلك وأتمنى أن يكون استنتاجي خاطئاً.

*****
عندما تشتد المواجهة ويتصلب كل طرف على موقفه ستكون هناك انعكاسات على الوضع الداخلي سيما وأن المنظمات الدولية موجهة مكبراتها نحو منطقتنا الساخنة. عندما تحشر التصرفات الأمنية "الناشطين" في زاوية واحدة وتضعهم أمام خيار واحد سيلجأون للخارج لا شك. لا يمكن أن نضرب طفلا وفي نفس الوقت نتوقع منه عدم البكاء أو الشكوى.
عندما بدأت الحملة القوية ضد الشباب الناشط عبر العالم الافتراضي الداعي للتغيير أجبر هذا التصرف الـ"نشطاء" أن يكونوا في زاوية المعارضة وتم بذلك إجبارهم على سلوك طريق واحد وبدأت الحملة عليهم في المنتديات مما أزم الأمر ووضعهم في طريق اللاعودة والأمر مستمر إلى الآن. هنا لا يمكن أن نلوم الطرف الأضعف بل اللوم كل اللوم على الطرف القوي الذي أفرط في استخدام سلطته.
*****
في ظل عدم وجود معارضة وعدم وجود إعلام مستقل وانكشاف العالم لنا وانكشافنا للعالم لابد ما تظهر مثل هذه الدعوات الشبابية للتغيير. إن بقاءنا على ما نحن عليه بينما العالم يتغير ليس بالأمر الصحي بل على العكس إن ما حدث عبارة عن مؤشر على أننا أمة حية تتصارع أجيالها تصارعاً إيجابياً من أجل التغيير. يجب أن يدرك صانع القرار أن الحالة الطبيعية بين البشر هي الاختلاف وأن الرأي الواحد ليس من ثقافة هذا العصر وأن كرامة الإنسان وحقه في التعبير عن رأيه يجب أن تكون أولوية من أولويات عمله أي صانع القرار.
*****
لا يوجد جديد ربما فيما أكتبه الآن لكني قلق مما يجري من اعتقالات لأبناء وطني وقلق من سالفة " مع أو ضد" التي بدأت تتفاقم كصورة مصغرة مما يجري في مصر من ناحية الاستقطاب. إلى الآن وإلى الغد أثق في أن الوضع في عمان أفضل بكثير ولا يمكن مقارنته بالدول المجاورة وأقصد هنا ما يخص الاعتقالات والمحاكمات واحترام المواطن إلى غير ذلك، لكن الاعتقالات الأخيرة توحي بأن هناك تشابه في آليه التنفيذ لهذا أتمنى على من يراقب المشهد وبيده القرار أن يتدارك الأمر ويصحح المسار وينظر إلى المرحلة من زاوية غير الزاوية الأمنية .
نعم أنا "قلقان" من الخوف المبالغ فيه للأجهزة الأمنية والادعاء العام وأقلقني كثيراً تفصيل القانون بحيث يطبق على بعض المواطنين المتجمهرين بينما لا يطبق على آخرين.. هذا مقلق للغاية مهما كانت الذرائع. ننتظر من الجهات المعنية الشفافية وتحمل النقد وتحمل "الإزعاج" فنحن لا نزال في بداية المشوار؛ مشوار الرأي والرأي الآخر.
في نفس الوقت الذي نطلب من الجهات الأمنية الحكومية الهدوء وتحمل الإنتقادات الموجهة للحكومة، نأمل أن يكون هناك تفسير مقنع وشفاف لما تقوم به هذه الأجهزة تجاه بعض المواطنين من أجل أن نعذرها بل ونشكرها على ما تقوم به. إذا كان هناك مخطط لا نعرفه نريده أن يُكشف للجميع لكن إرعاب المواطن بقوانين فضفاضة قد تستخدم ضده متى ما أرادت الجهات المعنية، هذا أمر غير مقبول ولا يساعد المواطن على الهدوء والطمأنينة.
*****
إذا كان هناك رجال في الحكومة يفهمون المرحلة لابد أن يشرحوا للإخوة الأمنيين أن مرحلة الخوف من ا"لكلام" يجب أن تكون خلفنا الآن. نحن في مرحلة " لا لمصادرة الفكر"، نحن في مرحلة الشفافية، نحن في مرحلة حرية التعبير حتى وإن كانت بعض القوانين لا تسمح بذلك، نحن في مرحلة حصاد الـ 40 سنة الماضية، نحن في مرحلة تسليم الجيل الأول للنهضة " الأمرَ" للجيل الجديد، لذلك لابد من أن نعي المرحلة ومتطلباتها وألا نغرق أنفسنا في صراع يأخذ أكبر من مداه.
*****
هناك من المواطنين من ضاق ذرعاً بما يجري ووصل إلى مرحلة فقدان الأمل في التغيير وهذا النوع قد ينفجر في أي لحظة ولا بد من أخذ هذا الأمر في الحسبان. كذلك يوجد من الـ"نشطاء" من هو مستعد للمضي قدماً في مشوار "النضال" بسبب ما يراه على الأرض من ملاحقات وتصفية حسابات "بأثر رجعي". في ظل ذلك لا بد للجانب المدني في الحكومة أن يتحرك بسرعة لاحتواء ما يجري وأن لا يُترك الأمر للحلول الأمنية.
*****
أخيراً ورغم كل هذا القلق أرى أن ما يجري ما هو إلا مخاض مرحلة جديدة وأنه بدون هذا الشد والجذب لن نصنع المستقبل، فشكراً لكل من وهب نفسه وتكبد العناء من أجل الوطن وشكراً لمن أخطأ في التقدير واتخذ قراراً قاسياً حباً في الوطن.
*****

ملاحظة: شكرا لكل من أرسل يحثني على الاستمرار والإكثار من الكتابة.. شكرا للجميع بدون ذكر أسماء.


هناك 15 تعليقًا:

  1. أتمنى منهم أن يتمعنوا برسالتك ، أن يدققوا فيها ، أن يعلموا أن الحوار يجب أن يتم داخل تلك المؤسسة ، أن يستمعوا للعاقل الرشيد بينهم إن تحدث بمثل مقالتك ، أتوقع أن هناك طرفا منهم قد أدلى بهذا الرأي وكل ما ذكرت ، ولكن ما تم قد تم وعجلة القرار إن دارت فلا سبيل لفرملتها إلاّ بإنتظار نتائجها ، إن أتت أكلها فهي مرحلية ولها نتائج عكسية لا تواكب أيامنا، وإن لم تأت وهو المتوقع على المدى الطويل فيجب تصحيح النهج.

    شكرا محفيف

    ردحذف
  2. شكرا للصالح و الطالح :)
    رفضت في حديثك السجن كعقاب لؤلئك الذين ثبتت ادانتهم في
    مسائل الاساءات باللفظ "الكترونيا" سواء في الفيس بوك او غيره. ،
    ماذا تقترح كبديل مؤثر ؟ :)

    اتفق معك تماما هناك امر غير واضح فيما يخص الاعتقالات !!
    لابد من الشفافية في هذه الامور.. لتتضح لجمهور المواطنين!!
    هل يتم تنفيذ القانون.. ام هناك حقا مصادرة للفكر!!!

    و الاغرب ما ينتشر في الفترة الماضية عن احد المعتقلين ..حيث انه تم اعتقاله دون الافصاح عن التهم ضده!!!! و منع من محادثة افراد عائلته!!!! ؟؟؟؟؟
    لا اعلم عن صحة الخبر و لكن ما اعلمه ان صحّ ذلك فهُناك مشكلة جسيمة في النظام يجب تصحيحها :/



    دائما تسعدني قراءة حروفك سيد محفيف :)

    ردحذف
  3. نحن في مرحلة "لا لمصادرة الفكر".

    شكرا محفيف. أنت رائع

    ردحذف
  4. Nadia
    مرورك دائما يثري
    لا لمصادرة الفكر من أكبر المكتسبات

    ردحذف
  5. آلاء
    و 3+3=6 إذا وفقط إذا ال3 الأولى تساوي 3 فقط ومطابقة لل3 الثانية تماما :)

    ردحذف
  6. مافي
    أسعدني تعليقك يا خبيثة ؛)
    أنا فعلا ضد سجن المسيئين ليس تعاطفا بل لسببين اﻷول لأن الفيسبوك عبارة عن تفكير بصوت مسموع وليس باﻷمر الذي يستحق أن نعيره اهتمام لهذا لا يجب أن نعطي صاحبه أهمية. ثانيا ﻷن إشهار الإساءة يسيئ بطريقة أخرى لمن ندافع عنه ويضعه ندا للمسيء وكأن المسيء أصبح يتحدى الرمز أمام العامة. للأسف تم جذب اهتمام كل المواطنين لأمر ما كان ليكشف لو تم اهماله وأصبح الجميع يعرف أن هناك من تجرأ على السلطان بألفاظ سيئة وهناك من تجرأ وانتقده بشكل قوي.. هذا ليس بالأمر السهل ولايمكن أن يمر بدون أثر عكسي..
    أرى أن يتم تجاهل الشخبطات الشاذة ﻷنها تكشف نفسها وتموت هي وأصحابها عندما تهمل.. هذي رؤيتي المتواضعة وأحترم من يرى عكس ذلك :).

    ردحذف
  7. عمان شاطرة بالتضييق على شعبها بدل ما تنشغل بتنمية المواطنيين والدعاية للبلد في العالم وتعريف العالم بعمان! عماااااااااااااااااااااان محتاجة لتنمية مش لحبس الغيورين!

    شكرا مستر محفيف على الحبك الرائع للكلمات!

    ردحذف
  8. غير معرف
    شكرا لمرورك وتعليقك وأتمنى ما تتمناه :)

    ردحذف
  9. متفائلة
    وما هو الحبك؟

    ردحذف
  10. مااقول غير ربنا يستر على الجاي.. مانخاف منه قادم لا محاله .. هناك رائحة دخان بدأت بالانتشار .. نتمنى خمودها قبل أن تندلع النيران وتلتهم كل شي :(

    ردحذف
  11. HilariOus
    إن شاء الله ستتصلح الأمور ولن نصل إلى تلك المرحلة

    ردحذف
  12. لا تنسى سيدي دور الفيسبوك في الربيع العربي _ لا ألوم الحكومة على تخوفها منه أبدا :)

    و لكن السجن مرة وحدة !! قووية !!
    خريج سجون = ( شخص غير مرغوب به في المجتمع سبب لعائلته احراجات و من المرجح أنه لن يحصل على فرصة العمل في مناصب عالية حتى لو كان كفؤ لها و لا ننسى انخفاض احتمالية قبوله كزوج :P )

    بديل : ما عندي للأسف بديل يوازي السجن في التأثير_ قد يقترح البعض الغرامة! و لكنها ليست رادعا الا لذوي الدخل المحدود :/ __ و لكن لابد من وجود بديل :D

    و يبقى هناك المطالبة كما أسلفت حضرتك الشفافية الشفافية الشفافية بين المواطن و الحكومة :)
    و طبعلا لااا لمصادرة الفكر :)
    ملاحظة :
    1. تعريف خريج السجون لا يعبر عن نظرتي الشخصية له و انما النظرة المتداولة في المجتمع _

    2. أنا مش خبيثة :$

    تحياتي لكَ (f)

    ردحذف
  13. مافي
    أعرف أنك مش خبيثة فقط أمزح :).
    خريج السجون إما أن يكون مجرم أو مظلوم وبالتالي بطل. من يقف ضد القوي دائما يوصف بالشجاعة وهذا ما حصل لكل المعتقلين.. هناك محاولة لتشويههم وهناك دفاع علني ودفاع غير معبر عنه. لا تنسي ثقافتنا التي تبحث عن أبطال أو ضحايا.. هنا لدينا أبطال وضحايا في نفس الوقت لهم مناصرين بسبب أنهم مجردين من القوة أمام أجهزة تملك كل القوة للإيقاع بهم( أتحدث عن مشهد متخيل لتفكير جمعي يبحث عن أبطال). عموما الموضوع جدلي والعقاب أحد الأساليب التي لا أؤمن بها بشكلها العنيف لكن هناك من يرى أننا لا نزال في عصر العقاب والردع والقبضة الحديدية وبالتالي يبرر ما يجري ويؤيده.
    نحن في مرحلة انتقالية واﻷخطاء واردة والخوف موجود وكل جهة تحاول حماية نفسها وإطالة عمرها وهناك من يحاول انتزاع بعض المكاسب وهكذا هي الحياة.

    أجدد أني لا أشك في خبثك :)
    لك خالص المودة

    ردحذف
    الردود
    1. ^
      ^
      واااو
      نظرة عميقة حقا !
      لم أفكر بها من ذلك المنطلق ! :)

      شكرا جزيلا لك :$

      حذف