الاثنين، 5 أكتوبر 2009

ما الذي في أنفسنا لنغيره حتى يغير الله ما بنا؟!... (نشر تجريبي)

هناك آية قرآنية ذات دلالة محفزة جداً لتصحيح وضع الإنسان في حياته اليومية ومستقبله كفرد أو كمجموعة، حيث يقول تعالى:" إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم". فالإنسان لا يجب عليه انتظار الحلول السحرية من السماء أو أن ينزل عليه الوحي, بل عليه أن يقرر هو من تلقاء نفسه التغيير الذي يتناسب ووضعه. فإن كان وضعه المالي أو الاجتماعي أو النفسي أو غيره بحاجة إلى تغيير، فعليه أن يضع الخطة ويحسب النتائج ويقارن ما هو عليه بما سيكون إن قرر التغيير. لن أدخل هنا في سوالف أصحاب التنمية البشرية الذين يتكلمون عن البرمجة اللغوية العصبية والكلمات السلبية وتأثيرها على سلوك الفرد وكذلك تأثير الكلمات الإيجابية، وإنما سأسرد الموضوع بطريقة سهلة ومبسطة من خلال الإجابة على السؤال التالي: ما الخطأ أو الأخطاء التي في أنفسنا والتي علينا تغييرها حتى يغير الله ما بنا؟ الإجابة هنا ليست سهلة ويجب على من تعرض لمثل هذا السؤال أن يتأنى وأن لا ينظر إلى الأمر ببساطة ويقول كما يقول البعض: بالرجوع إلى كتاب الله وسنة نبيه!. "والنعم" في الكتاب والسنة هما دستورنا ولكني أقول أن من يعطي هذه الإجابة وبهذه البساطة فهو باختصار شديد ساذج! وينظر للأمور بسطحية -ولا أقصد هنا ذمًّا للدين وأرجو أن لا يقحمني أحد في ذلك بل من أجاب هو الساذج-. لماذا هو ساذج؟ سأشرح لكم..
تخيل أن لديك أسرة بسيطة من زوجة وثلاثة أو أربعة أطفال و تريد أن تبني بيتاً بينما راتبك لا يزيد على الـ250 ريال(عماني).. ماذا ستفعل؟ هل ستبني البيت بهذا المبلغ الزهيد في ظل هذا الغلاء المبالغ فيه لليد العاملة والمواد الأولية؟ بالتأكيد راتبك هذا لن يكفي لإعالتك في الظروف الراهنة فما بالك ببناء بيت جديد؟!
في هذه الحالة لا بد من وضع خطة إستراتيجية للمستقبل وسوف يتمخض عن هذه الخطة الكثير من الإجراءات التي قد تكون صعبة جداً عليك وعلى الأسرة بشكل عام، حيث سيتطلب منك العمل الإضافي بعد الدوام في عمل آخر وهذا سيعتمد على مهاراتك كما أن على زوجتك المساعدة بمحاولة عمل مشغولات لها مردود مادي تستطيع من خلالها تعزيز دخل الأسرة. كما أن المصروفات اليومية ونوع الأكل وكميته ستتغير وكذلك متطلبات الأطفال. هذا الوضع سيستمر لسنوات وتنفيذ البيت الجديد لن يتم إلا بتحمل عواقب كل هذه الإجراءات، كما أن البيت لن يتم تنفيذه إلا بالبناء التدريجي أي على مراحل بما يتناسب والمدخلات من الجهود المبذولة في الخطة.
كذلك الحال بالنسبة للتغيير في عمان أو في العالم العربي أو في العالم الإسلامي لن يحدث إلا بخطط إستراتيجية بعيدة المدى مبنية على أسس قويمة يتم تنفيذها من قبل شعب وسلطة متحمسين وجادين ومؤمنين بالتغيير. هذه الخطط ستكون بالأساس تعليمية، تنويرية، غرس ثقافة الولاء للوطن وفقط للوطن، عدم تأليه أفراد سواء في المجتمع أو في السلطة، غرس ثقافة حب العمل واحترامه، نبذ الفساد والمفسدين، معاملة المواطنين بشكل متساوي وعدم المحاباة، أن يحس كل مواطن بأهميته كمساهم في التنمية، أن يحس المواطن بأن حقوقه مكفولة وأنه لا وصي عليه، أن يحس المواطن أنه حر ومسئول في وطنه وأنه متساوي مع أكبر رأس في البلد... إلخ
ليس هناك شكاً أن الوصول لهذه المرحلة لن يكون مفروشاً بالورود، فوضعنا الحالي لا يبشر بخير حيث الانتماء ليس للوطن مهما ادعينا.. لا من قبل المسئول ولا من قبل الأفراد. الانتماء الحالي إما لإقليم أو لقبيلة أو لفرد.. الحكومة تحابي قبائل معينة بالمناصب والمال وتهمش أخرى، هناك أفراد لهم نفوذ غير عادي وغير مبرر، الخطط الموجودة للتعمين وتشغيل المواطنين ليست جادة ولا يراد بها الله ورسوله ولا الوطن إلا بشكلها النظري والإعلامي. قد تغتني من لا شيء وبدون جهد، فقد يصرف لك وزير أرض في موقع محترم وتبيعها وتكسب المال الوفير، وقد تنتظر عند قصر من القصور أو تذهب إلى الصحراء ويأتيك الرزق المفاجئ بينما هناك دعوات من قبل من يعطيك هذا المال للشباب أن يعملوا!! بالله عليكم كيف سيكون وقع هذه الكلمات على الشاب المسكين الذي يغتني جاره فجأة لمجرد أنه جميل بينما هو مطالب بالعمل وسلوك القنوات السليمة؟!!.. كل هذه مؤشرات فساد موجودة وغيرها الكثير.. نحن سائرون إلى وضع مصر وسوريا واليمن والمغرب.. فساد مالي وأخلاقي .. الفرق أننا لا زلنا عائشين على النفط.. بدون نفط ماذا سيكون حالنا؟
الكلام في الوضع السيئ الذي نحن فيه كبير ولا ينتهي لأن الأمثلة أكبر من أن أتناولها هنا ولكن النتيجة واحدة وهي ضياع الوطن وتثبيط الشباب بسبب سوء التخطيط وسوء التنفيذ ووجود كوادر خاطئة في الأماكن الخاطئة في كل المؤسسات.
إن الوصول إلى مرحلة الإيمان بضرورة التغيير هو مبتغانا الآن، أنا لا أؤمن بنتيجة التغيير المفاجئ، إن التغيير المفاجئ الذي حصل في عمان في عام 1970م كان مهماً جداً ولكن بسبب سوء التخطيط والتنفيذ وصلنا إلى الوضع المزري الذي نحن عليه الآن، ولا أريد أن يقول لي أحد أن وضعنا أفضل من اليمن!! فأنا طموحي وطموح أي إنسان عماني أن تكون عمان كاليابان مثلاً وليس كاليمن. كما أن المقارنة بين عمان واليمن من ناحية الإمكانيات المادية بالنسبة لعدد السكان مقارنة غير عادلة إذا اعتبرنا أن الجميع يعاني من سوء إدارة كدول عالم ثالث. كما أنني لا أريد المقارنة بين عمان ودول الخليج الأخرى فأنا وأي مواطن عاقل ليس طموحنا أن تكون عمان كالإمارات مثلاً التي يوجد فيها مليون شيخ فاسد بالرغم من إغداقهم على المواطنين، ليس هذا طموحنا!.. طموحنا أبعد بكثير من هذا، طموحنا بناء الفرد الحقيقي الذي يستطيع الاعتماد على نفسه ويستطيع بناء بلده ووطنه بناءً حقيقياً.
الآن آتي إلى الأخطاء التي هي لدينا كأفراد والتي يجب أن نغيرها حتى يتغير وضعنا. أول الأخطاء هو اليأس، فاليأس دليل على عدم السعي للتغيير ودليل قلة الحيلة فيجب أن لا ندع له مجالاً. ثاني الأخطاء عدم تشغيل الضمير لدينا، عندما نلغي العمل بضمير فإننا نفتح كل أبواب الفساد. ثالث الأخطاء عدم الإحساس بالقيمة. فالفرد منا إذا اعتبر أن لا أهمية له في بلد يتقاسمه الفاسدون والمرتزقة لأنه ليس منهم فإنه بذلك يفسح المجال لهؤلاء أن يتصرفوا بما يجب أن يكون له هو دور فيه. إن إحساسك بأهميتك في هذا الوطن وفي مجتمعك لهو خير محفز لك على التغيير. رابع الأخطاء أن تنيب من يفكر عنك، وهذا من أكبر الأخطاء التي لا نعي خطورتها. فنحن لا نفكر بل ندع التفكير للأب أو للأخ الكبير أو للمسئول في العمل أو للمدير أو للوزير..إلخ. لا تثقوا بعقول غيركم فهي تعمل لأصحابها.. احترموها ولكن لا تجعلوها تعمل بدلاً منكم. خامس الأخطاء العمل أن تكون في الحياة بدون خطة واضحة. قليل منا من يعمل بخطة واضحة وهؤلاء هم الناجحون. سادس الأخطاء كره الناس، حيث يجب عليك كفرد أن تحب مجتمعك وأفراده . ما لم تحب مجتمعك فإنك لن تسعى لتغييره للأفضل. الخطأ السابع هو الأنانية. فالأناني يفتح المجال للفساد وبالتالي لا يمكن أن يكون مشاركاً في البناء.
هناك أخطاء كثيرة لا أستطيع حصرها هنا ولكن أستطيع القول أن وقوف الفرد بينه وبين نفسه لتقييم وضعه ووضع الخطط للتغير هو من أفضل الطرق لمستقبل الفرد وبالتالي لمستقبل مجتمعه. وكلما زاد الأفراد الذين يعملون بخطط في مجتمعاتنا كلما زادت عندنا القدوات وكلما كثرت القدوات كلما اقتربنا من المجتمع الصحي الذي يستطيع استيعاب التغيير ويسعى له. فبناء الفرد كخلية أولية للتغيير يسهل من عملية الانتقال السلس للمجتمع من مرحلة إلى أخرى. وبهذا نعلم أن الله أعطي الانسان مجالاً للتفكير والعمل معاً.. إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.. مع تحياتي لمن تحمل هذياني وأكمل القراءة إلى آخر سطر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق