تحكي إحدى الأساطير الروسية أن الوزير جيوجوري بوتيومكين قام بتركيب واجهات فارغة(تبدو كقرى جميلة) على ضفتي نهر دنيبر لإبهار الملكة كاترين الثانية التي تقوم بزيارة لمدينة كريميا(الآن تابعة لـ أكرانيا) التي ضمتها إلى مملكتها. صُرفت أموال طائلة لإبهار الملكة ولكي يحظى الفاعل بتقريب وامتيازات أكثر. أعتقد أن الملكة لم تكن تعرف أن الواجهات مزيفة إلا إذا كانت مريضة.
هذه قصة قديمة جداً يُقال أنها حصلت في أواخر القرن الثامن عشر.
لعل القصة انتهت ولن تتكرر هناك ولكنها في بلدنا الحبيب تتكرر بمقاييس مختلفة مع زيارات الوزراء والوكلاء وحتى بعض مدراء العموم(حسب الرأس) ناهيك عما يتم في زيارات جلالة السلطان وخاصة إلى صلالة من واقع مشاهداتي.
إذا قام الوزير أو الوكيل بزيارة فرع وزارته في صلالة فإن المدير العام يقيم الدنيا ولا يقعدها. لا يمكن أن يعمل هذا المدير العام بإخلاص إلا في فترة قدوم الأعلى منه. لا أجد تفسيراً للربكة التي توقعها زيارة الوكيل أو الوزير على المدراء العموم في الأقاليم تحديداً. أعتقد أن الربكة تدل على أن أحدهما(الزائر أوالمزور) أو كلاهما فاسد، لأن الذي يقوم بعمله على أكمل وجه لن يرتبك إن كان مديراً عاماً أو مراسلاً مهما كانت هيبة وقيمة الزائر، ولن يُربِك إذا كان وزيراً أو وكيلاً.
يتم إنفاق أموال ليست بالقليلة على مثل هذه الزيارات ولأمور تافهة أو غير ضرورية. كما أن المدير العام يكون حريصاً على أن يكون الجميع متواجداً على رأس عمله وأن تكون الزيارة لأماكن يثق فيها شخصياً. يتم تجنب مكاتب الموظفين المزعجين وقد يمنحون إجازة مجانية في اليوم المعلوم إن أمكن(مبالغة). في نهاية اليوم يتم عمل عزيمة كبيرة في "الجربيب" قد ينضم إليها بعض المرضي عنهم من الصغار.
هذا في حالة زيارة وزير أو وكيل..
تخيلوا مكتب وزير الدولة وحافظ ظفار ماذا يعمل إذا سمع بجلالته عازماً على الإقامة في صلالة؟! في هذه الحالة يتحول المحافظ ورئيس البلدية بقدرة قادر إلى " جيوجوري بوتيومكين "، وكأن صلالة ليس بها سكان يستحقون خدمة الحكومة الإقليمية من قبل.
تزيد المشاريع بقدوم جلالته وتقل أو تختفي بمغادرته!! يا ترى المشكلة في من؟ هل المشكلة في مكتب المحافظ أم أن "بوتيومكين" لا يصرف لهم "غوازي" إلا إذا جاء جلالته؟!!.
أعتقد أن المشهد ليس في محافظة ظفار فقط فالنظام واحد والجميع لهم قدوة واحدة، فطوبى لكل الـ"بوتيومكينيين" الذين يحصدون القرب والولاء على حساب المال العام ومصالح الأغلبية.
أتمنى أن تختفي هذه الحركات والمشاهد الفاسدة التي تنخر في جسد أجهزتنا الحكومية لأنها للأسف أصبحت ثقافة وجزء من سلوك مسئولينا.. ليس هذا فحسب بل أصبح المواطن يتقبل هذا الأمر وكأنه الحل الوحيد لكل مشاكله. أصبح المواطن يتمنى قدوم جلالة السلطان ليس لأنه سيقابله مباشرة بل لأنه سيحظى بحق من حقوقه وخدمة من الخدمات الأساسية التي ما كانت لتأتي لولا قدوم جلالته.. فهل زرع هذه الثقافة مفيد على المدى الطويل ؟!!
Thank you Mahfeef.
ردحذفأشكر مرورك
ردحذفدائما متميزة موضوعاتك .. بارك الله فيك
ردحذفشكراً لك أستاذي الفاضل...
ردحذففهل زرع هذه الثقافة مفيد على المدى الطويل ؟!! سؤال "استعراجي"
ردحذفمقال رائع!!! الحال من بعضه في مسقط...
أشكرك أماسي
ردحذف"استعراجي" نعم نعم عجباتني واجد