الجمعة، 21 فبراير 2014

لا للرتابة

في مجتمع كمجتمعنا المحكوم بقوانين غير مكتوبة يجد الواحد نفسه ماشيا في حقل من اﻷلغام عندما يحاول أن يعيش حياته ويقرر مصيره بنفسه. ليس للواحد منا إلا خيارين؛ أن يتمرد وينبذ أو أن يمثل على المجتمع ويتآكل هو من الداخل أي يستهلك طاقته في المجاملة والمحاباة ومراعاة شعور الآخرين على حساب حياته وقراراته الخاصة.
ليس للخصوصية مكان في مجتمعنا، يجب أن تشارك الجميع في كل شيء حتى قراراتك الخاصة جدا يجب أن تستشير فيها من حولك وإلا فأنت لا تحترمهم.. هكذا يظنون. لا بد أن يبحثوا عن عيوب للقرارات التي تتخذها أنت إذا لم تمر من خلالهم أي لابد أن يحسسوك أنك لا تزال أصغر مما تظن.
أتساءل دائما لماذا تتكرر النماذج في مجتمعاتنا؟ لماذا التمايز نادر؟ ولماذا لا يوجد إبداع؟ اﻹجابة بسيطة؛ ﻷن الفرد في مجتمعنا ليس حرا إلا في إطار المجتمع وفي المساحة البسيطة التي لا تساعد الفرد إلا على تكرار تجربة غيره، وهنا يتضح لنا سبب تكرار النماذج ورتابة حياة مجتمعنا.
شخصيا ليس لدي الوقت الكافي لمناطحة المجتمع ولا أشجع على ذلك ولا أظن الوقت قد حان، لكني في نفس الوقت لا أستطيع أن أكرر تجربة غيري ما لم تكن تتماشى مع إيماني العميق بما أفعل.
يمكن أن أتماشى مع المجتمع في المشتركات بيني وبين أفراد من مجتمعي أنا مجبر على التعامل معهم وهم يؤمنون بقوانين المجتمع احتراما لمشاعرهم، لكن عندما أكون أنا صاحب القرار الوحيد فإن اﻷمر سيختلف كثيرا. هنا سأفعل ما يتماشى مع مبادئي وإيماني حتى وإن غضب الجميع. لن يحدث التغيير إلا بمبادرات فردية ومن أشخاص يؤمنون بما يفعلون. في البداية ستكون ردة الفعل قاسية مؤلمة ولكن بمرور الوقت ستجد من يقول لك حسنا فعلت أو أنت شجاع أو أنت جريئ أو لقد فعلت ما كان يجب أن يفعله غيرك منذ زمن بعيد.
الفرد العادي هو عبارة عن فرد مستنسخ من مجتمعه أقصد أنه يكرر سلبيات وعادات سيئة في المجتمع عاش عليها غيره منذ زمن، يكرس الرتابة واﻷخطاء بل يبررها. بينما الفرد الخلاق/ المتمرد يكرس الإيجابيات المتأصلة في مجتمعه ويدفع السلبيات ويحاربها ويمارس ذلك فعلا من أجل أن يقنع غيره بأن التفكير خارج الصندوق يجب أن يتم أولا وأن يمارس على الأرض كأفعال كفيلة بتجديد هواء المجتمع. فلولا وجود المتمردين لما تغيرت الحياة ولظللنا كما نحن منذ عهد جدنا آدم...تمردوا بمسئولية بارك الله فيكم.

السبت، 1 فبراير 2014

تأثير فترة البرمجة السلبية على التجربة والتغيير

بين البرمجة والتجربة الذاتية
يظل الانسان "الطبيعي" في تعلم مستمر طوال حياته، لا يتوقف عن التعلم. يستفيد من تجاربه وأخطائه كما أنه يحاول أن يستفيد من تجارب الآخرين من خلال المجالسة والمعايشة أو القراءة. ينتقل اﻹنسان من مرحلة تأثير اﻵخرين عليه إلى تأثيره الذاتي في في ذاته من خلال تجربته الشخصية وقناعاته. قد تطول احدى هذه المراحل على حساب اﻷخرى فتؤثر في شخصيته وإنجازاته.

يتعلم اﻹنسان من أهله في باكورة حياته بالمشاهدة والسمع ثم بالمحاورة وهنا يخضع لبرمجة العائلة رغما عنه. ينتقل بعد ذلك إلى برمجة أكبر وهي برمجة المدرسة والمجتمع وثقافته( الاجتماعية والدينية) وكلها برمجات إجبارية.
بناء على إيجابية أو سلبية البرمجة يتشكل الفرد منا في البداية ثم ينتقل إلى مرحلة يصبح هو فيها المبرمج سواء لذاته أو لذاته ولغيره.
عندما يكون حظ الفرد منا سيئا تطول فترة تعرضه للبرمجة على حساب فترة تجربته/برمجته الذاتية، وهذا بالضبط ما هو حاصل في مجتمعنا بصورة عامة( لا أتحدث عن الاستثناءات). تطول وصاية اﻷهل على الفرد منا وتساهم ثقافتنا اﻷسرية المجتمعية والتعليمية في جعل الفرد متلقيا ﻷكبر فترة ممكنة من حياته.

هناك خوف مستمر يسيطر على حياتنا وهذا الخوف حرمنا من التجربة التي هي أساس المعرفة. من لا يجرب لا يخطيء ومن لا يخطيء لا يتعلم، نقرأ ذلك لكننا لا نطبق ما نقرأ، هذا إن قرأنا أصلا. المحاذير من العار واﻹثم والكفر والنار جعلتنا نعيش في ظلمة الجهل بحيث أصبح اليقين عندنا أن تلقي ما هو جاهز أسلم لنا من التجربة والاجتهاد ﻷن ذلك أي التجربة والاجتهاد "قد" يوقعنا فيما لا تحمد عقباه، فالحياة عندنا لعب ولهو وما هي إلا متاع الغرور فلا "حسافة" عليها ما دمنا ضامنين الجنة وهناك من يرشدنا إليها دون عناء منا. هذه برمجة لﻷسف لا تزال مسيطرة لدرجة أنك تخاف أن تبدي رأيك الخاص في أمر بسيط أمام أبسط شخص في المجتمع من حولك. أصبح فكر المجتمع صخرة صماء لا سبيل لتحسينه أو إعادة تشكيله إلا بنسفه. لكننا لم نصل بعد إلى الجرأة الكفيلة بالقيام بهذه الخطوة.

في المجتمع العربي بشكل عام لا توجد ثقافة الحرية ولا الديمقراطية ولا حقوق اﻹنسان. أقصد أنها ليست نابعة من ذات الثقافة العربية حتى وإن استهوتنا هذه المصطلحات. الثقافة العربية عبارة عن صخرة كبرى تتكون من مجموعة صخور مثماثلة ومتحدة بطريقة توحي بأنها صخرة واحدة يستعصي على من يواجهها نسفها. بدأت هذه الصخرة تتآكل وإن بصورة بطيئة تحت عامل تعرية وحيد وهو الثقافة الغربية. أتت هذه الثقافة بأشياء جميلة كالحرية والمساواة والديمقراطية وحقوق المواطنة وحقوق اﻹنسان إلخ. أخذنا من هذه الثقافة شعارات لم نؤمن بها ولم نطبقها لكننا ظللنا نرددها لغرض في نفس يعقوب أي ركبناها فقط كوسيلة من أجل أغراض شخصية وانتهت الشعارات أو ستنتهي بمجرد حصولنا على مبتغانا، وهذا يدل على أننا أخذنا القشور فقط ﻷن هذا النوع من الثقافة لم يترسخ بعد ولم نسمح له بالإمتداد في حياتنا.
من كل هذا لا يهمني شيء من ثقافة الغرب في هذه التدوينة غير الحرية التي هي أساس كل نجاح.
افتقار ثقافتنا للحرية هي التي تطيل فترة البرمجة التي بدورها أي فترة البرمجة تقلل فترة التجربة التي تؤدي إلى قلة التجارب الذاتية التي تقود إلى المعرفة ومن بعدها التغيير.لهذا ظلت مجتمعاتنا تعتمد على كبار السن في إدارة شؤونها فهرمت مجتمعاتنا وظلت هرمة رغم كثرة شبابها، ﻷن الشباب هم شباب سِنّاً لكنهم فكريا أطفال في مرحلة برمجة أسرية أو مجتمعية، أُجبروا على ذلك من خلال الثقافة المجتمعية التي أفرزها المثل الشعبي: " أكبر منك بيوم أعقل منك بسنة".
هناك مفاهيم كثيرة مختلطة في لغتنا ولا يكاد يجمع العلماء وبعدهم الأفراد على شيء مثل إجماعهم على الحرام أو التحريم. كل شيء حرام أو بدعة ما لم يحلله السابقون، حتي العقل واستخدامه أصبح من الأخطار التي تحدق بالمجتمعات واﻷمة.

*******
المجتمع ونمط حياته والسلوك واﻷخلاق الناتجة عن ذلك النمط أصبحت بعبع يُخشى اختراقها أو الاقتراب منها لذلك تجد أن من يفكر خارج الصندوق لا يجرؤ على التجربة وإن جرب يلفظه المجتمع وتلوكه الألسنة ليجد نفسه وحيدا خارج سور المجتمع.. يعاقبه المجتمع في كل شيء؛ مصاحبته تصبح شبهة وآراؤه لا تُسمع بل يصبح مثالا سيئا يضربه أفراد المجتمع لأبنائهم وأقربائهم مما يوحي للمتلقي أن من يُضرب به المثل قد خرج عن كل اﻷطر. كل هذا ناتج عن طبقات متراكمة من البرمجة خلقت خوف لدى العلماء والعامة من "اﻹنفلات البهائمي" للمجتمع وكأن الخروج عن المألوف سيقود إلى طريق واحد لا محالة وهو طريق التفسخ والفساد اﻷخلاقي والكفر. كل من يظن ذلك فهو لا محالة ضعيف الحجة فيما يدعو إليه وفيما يدّعي أنه مؤمن به. التجربة هي السبيل الوحيد للنضج بينما سجن المجتمع للفرد في سجن الواقع الغير مقنع له أي للفرد ستكون له عواقب وخيمة كالتي نرى نتائجها اﻵن عندما انفلتت الحالة اﻷمنية في بعض دول الربيع العربي. لن يصمد أي مجتمع يعيش حياة أخلاقية ومعرفية ودينية مصطنعة أمام أي هزة مستقبلية.
فينا من يعيش حالة كفر بالواقع الذي فرضه المجتمع أو الدين أو النظام أو جميعهم، وهناك صنفان ممن يعيش هذه الحالة؛ اﻷول وطني حقيقي يتمنى أن يتغير المجتمع بطريقة متحضرة وسلسة وعن قناعة ويؤمن بالاختلاف والتعايش، والثاني أناني فئوي لا يطيق المختلف ولا يسمح بالعيش إلا لمن ينضوي تحت لوائه وتوجهه. وللأسف الصنف الثاني هو اﻷغلب في المجتمعات المبرمجة أي شبيهات مجتمعاتنا.
المجتمع الذي أقصده هنا هو المجتمع الكبير المكون من مجموعة من المجتمعات المتعايشة رغما عنها وليس عن قناعة بسبب وجود نظام قوى أصبح وجوده ضرورة للحفاظ على سِلم المجتمعات التي يتحكم فيها بينما لم يبذل هذا النظام جهدا لخلق بيئة قادرة على دمج كل هذه المجتمعات بطريقة تؤمِّنها في حالة أي اختلال أمني محتمل في المستقبل. هناك من يرى أن مثل هذه اﻷنظمة تقصد ما تفعل وهناك من يقول أنها مجبرة على ذلك وأن المجتمعات العربية لا يمكن أن تحكم إلا بهذه الطريقة. 
في كل الأحوال لابد من بذل جهد في هذا الشأن من قبل أفراد المجتمع المدركين للخطر ومن قبل أفراد وطنيين في اﻷنظمة من أجل الحفاظ على ما تم إنجازه والبناء عليه بطريقة واضحة مهما كانت مؤلمة. ولا أقصد باﻷلم هنا القتل أو الهدم الحاقد لكل ما هو مختلف. كل من يرى الحال في سوريا أو ليبيا وقبلهما العراق يدرك أن السلاح ليس حلا لتحرير الشعوب مالم يكن مقترن بفكر واع ومسئول.
طالت فترة البرمجة السلبية عندنا ودخلت مجتمعاتنا عصراً مليئ بما يناقض ما تعتقده من مسلمات فأصبحت كالطائر مقصوص اﻷجنحة أمام الضواري... ادعوا لها بالثبات.
للتواصل راسلني على: hesheandme@gmail.com