الاثنين، 1 مارس 2010

مقال لأحلام مستغانمي

بلاد المطربين أوطاني
وصلتُ إلى بيروت في بداية التسعينات، في توقيت وصول الشاب خالد إلى النجوميّة العالميّة. أُغنية واحدة قذفت به إلى المجد..كانت أغنية "دي دي واه" شاغلة الناس ليلاً ونهاراً. على موسيقاها تُقام الأعراس، وتُقدَّم عروض الأزياء، وعلى إيقاعها ترقص بيروت ليلاً، وتذهب إلى مشاغلها صباحاً.
كنت قادمة لتوِّي من باريس، وفي حوزتي مخطوط "الجسد"، أربعمائة صفحة قضيت أربع سنوات في نحتها جملة جملة، محاوِلة ما استطعت تضمينها نصف قرن من التاريخ النضالي للجزائر، إنقاذاً لماضينا، ورغبة في تعريف العالم العربي إلى أمجادنا وأوجاعنا.لكنني ما كنت أُعلن عن هويتي إلاّ ويُجاملني أحدهم قائلاً: "آه.. أنتِ من بلاد الشاب خالد!"، واجداً في هذا الرجل الذي يضع قرطاً في أذنه، ويظهر في التلفزيون الفرنسي برفقة كلبه، ولا جواب له عن أي سؤال سوى الضحك الغبيّ، قرابة بمواجعي. وفوراً يصبح السؤال، ما معنى عِبَارة "دي دي واه"؟ وعندما أعترف بعدم فهمي أنا أيضاً معناها، يتحسَّر سائلي على قَدَر الجزائر، التي بسبب الاستعمار لا تفهم اللغة العربية!
وبعد أن أتعبني الجواب عن "فزّورة" (دي دي واه)، وقضيت زمناً طويلاً أعتذر للأصدقاء والغرباء وسائقي التاكسي، وعامل محطة البنزين المصري، ومصففة شعري عن جهلي وأُميتي، قررت ألاّ أفصح عن هويتي الجزائرية، كي أرتاح.
لم يحزنّي أن مطرباً بكلمتين، أو بالأحرى بأغنية من حرفين، حقق مجداً ومكاسب، لا يحققها أي كاتب عربي نذر عمره للكلمات، بقدر ما أحزنني أنني جئت المشرق في الزمن الخطأ.
ففي الخمسينات، كان الجزائري يُنسبُ إلى بلد الأمير عبد القادر، وفي الستينات إلى بلد أحمد بن بلّة وجميلة بو حيرد، وفي السبعينات إلى بلد هواري بومدين والمليون شهيد ... اليوم يُنسب العربي إلى مطربيه، وإلى الْمُغنِّي الذي يمثله في "ستار أكاديمي" ... وهكذا، حتى وقت قريب، كنت أتلقّى المدح كجزائرية من قِبَل الذين أحبُّوا الفتاة التي مثلت الجزائر في "ستار أكاديمي"، وأُواسَى نيابة عنها .... هذا عندما لا يخالني البعض مغربية، ويُبدي لي تعاطفه مع صوفيا.
وقبل حرب إسرائيل الأخيرة على لبنان، كنت أتابع بقهر ذات مساء، تلك الرسائل الهابطة المحبطة التي تُبث على قنوات الغناء، عندما حضرني قول "ستالين" وهو ينادي، من خلال المذياع، الشعب الروسي للمقاومة، والنازيون على أبواب موسكو، صائحاً: "دافعوا عن وطن بوشكين وتولستوي". وقلت لنفسي مازحة، لو عاودت إسرائيل اليوم اجتياح لبنان أو غزو مصر، لَمَا وجدنا أمامنا من سبيل لتعبئة الشباب واستنفار مشاعرهم الوطنية، سوى بث نداءات ورسائل على الفضائيات الغنائية، أن دافعوا عن وطن هيفاء وهبي وإليسا ونانسي عجرم ومروى وروبي وأخواتهن .... فلا أرى أسماء غير هذه لشحذ الهمم ولمّ الحشود.
وليس واللّه في الأمر نكتة. فمنذ أربع سنوات خرج الأسير المصري محمود السواركة من المعتقلات الإسرائيلية، التي قضى فيها اثنتين وعشرين سنة، حتى استحق لقب أقدم أسير مصري، ولم يجد الرجل أحداً في انتظاره من "الجماهير" التي ناضل من أجلها، ولا استحق خبر إطلاق سراحه أكثر من مربّع في جريدة، بينما اضطر مسئولو الأمن في مطار القاهرة إلى تهريب نجم "ستار أكاديمي" محمد عطيّة بعد وقوع جرحى جرّاء تَدَافُع مئات الشبّان والشابّات، الذين ظلُّوا يترددون على المطار مع كل موعد لوصول طائرة من بيروت.
في أوطان كانت تُنسب إلى الأبطال، وغَدَت تُنسب إلى الصبيان، قرأنا أنّ محمد خلاوي، الطالب السابق في "ستار أكاديمي"، ظلَّ لأسابيع لا يمشي إلاّ محاطاً بخمسة حراس لا يفارقونه أبداً .. ربما أخذ الولد مأخذ الجد لقب "الزعيم" الذي أطلقه زملاؤه عليه!
ولقد تعرّفت إلى الغالية المناضلة الكبيرة جميلة بوحيرد في رحلة بين الجزائر وفرنسا، وكانت تسافر على الدرجة الاقتصادية، مُحمَّلة بما تحمله أُمٌّ من مؤونة غذائية لابنها الوحيد، وشعرت بالخجل، لأن مثلها لا يسافر على الدرجة الأُولى، بينما يفاخر فرخ وُلد لتوّه على بلاتوهات "ستار أكاديمي"، بأنه لا يتنقّل إلاّ بطائرة حكوميّة خاصة، وُضِعَت تحت تصرّفه، لأنه رفع اسم بلده عالياً!
ولا حول ولا قوّة إلاّ باللّه.. أواه.. ثمّ أواه.. مازال ثمَّة مَن يسألني عن معنى "دي دي واه"!
(وصلني هذا المقال عبر البريد ولا أعرف أين تم نشره وهو بالطبع للكاتبة أحلام مستغانمي)

هناك 8 تعليقات:

  1. هههه بطاطسيات ..
    أما تسمية ياخي

    ردحذف
  2. صباح الخير معاوية
    أقول خليت لنا شي كتب في المعرض؟

    ردحذف
  3. مقال رائع لأحلام مستغانمي .. عجبا لامة تتفاخر براقصيها وراقصاتها ، ودفنت وراءها علماءها وروادها

    وهذه مقولة يقولون ان صدام قائلها ورغم انني لست مع او ضد صدام ، ولكن اعجبتني المقولة كحكمة :-
    أفارق شعبا وأبكي أمة تهاوى مجدها وغنت من بعدي البرتقالة

    ردحذف
  4. ديد ديدي تعني خذ خذ أي خذ خذ الزين أو الجمال الذي أوجده ااخالق في مل ما خلق. وديد ديدي هي بالهجة الووهرانية نسبة الى وهران التي تقع في الغرب الجزائري وهي المدينة التي نشأ فيها الشاب خالد. يبدو وللأسف أن الذين يدعون بأنهم مثقفون ليس لديهم اي بعد ثقافي ولا رغبة في البحث عن معنى الكلامات والواجب ان تدرك الكاتبة بأن خالد تغنى بالامير عبدالفادر وعرف جميع العالم بمن هو الامير عبدالقادر الشجاع الصالح هذا بالاضافة الى التغني بالكثير من الاولياء والرجال الصالحين في الجزائر وكذلك الشهداء...ولكن وللاسف الشديد أصبح الغناء والفن التقليدي غير مفهوماً لدى الكثير من السذج الذين يجهلون ابعاده الدينية والثقافية وفي كثير من الاحيان هم اصحاب الاقلام الذين مشغولين بلهو الكلام وتضليل الكثير من بسطاء العقول!

    ردحذف
  5. نعيــ( الامير الصغير )ـــم:
    أهلاً بك أيها الأمير... بالتأكيد هناك واقع سيئ للغاية.. الله يستر... وقد يكون القدم أسوأ إن لم يتم تشخيص الواقع بجدية في شتى المجالات وساعتها ستظهر مكامن الخلل والتي إن عولجت سوف تفضي إلى واقع آخر نستطيع أن نرى فيه الأمور من منظور آخر وسوف تتغير التعريفات والمفاهيم الخاطئة... شطحت شوي لأن الهم واحد
    تحياتي لك

    ردحذف
  6. أخي غير معروف:
    تحياتي لك.. وجهة نظرك جميلة جداً وتبنيك للرأي المغاير ممتاز جداً..وأنا متأكد أنك رددت من باب الدفاع عن الشاب خالد كفنان وكإنسان ربما تكون ظلمته الكاتبة أحلام التي تنظر للأمر من زاوية أخرى أعم وأشمل.. من حقها أن ترثي لحال أمتها وبلدها الذي ضحى بالكثير من الأرواح والثروات من أجل الاستقلال ولكن ليس الذنب ذنب الشاب خالد في وصول الوضع العام(الجزائري والعربي) إلى ما وصل إليه(ماهو إلا نتيجة). هذه مسئولية عامة ومشتركة من أكبر رأس(الحكام) إلى أصغر إنسان في الأمة..لا يمكن أن نلوم الفنانين الهابطين إذا زادوا ولا المفسدين إذا زادوا ولا الفسق إذا زاد.. ولا ولا ولا.. لماذا؟ لأن كل ذلك عصارة المجتمع والأمة .. فلو كانت الأمة أفضل مما هي عليه لما ساد الهبوط في كل شيء.. قد تجد بعض الواعين هنا أو هناك، وقد نتشدق برغبتنا في التغيير لكننا لا زلنا غير جادين في ذلك.. التغيير يبدأ منك ومني ومنه ومنها ومنهم وساعتها سيتم إجبار من كان السبب إن كان هو السبب أن يتغير....
    أرجو المعذرة يبدو أنني عاودت الشطح
    تحياتي لك

    ردحذف
  7. مقال بغاية الروعة لاحلام .
    شكرا لذوقك الرفيع يا محفيف.

    أجمل المنى

    ردحذف
  8. هو إهداء لعشاق أحلام
    أشكر مرورك أختي العزيزة عُلا

    ردحذف

للتواصل راسلني على: hesheandme@gmail.com