السبت، 28 يوليو 2012

دوائرنا


الدوائر التي نختارالعيش فيها أو التي تُفرض علينا أو التي نفرضها على أنفسنا أو التي نفرضها على من هم تحت إمرتنا وتأثيرنا هي التي تتحكم في مصائرنا ومصائرهم وترسم لنا مسار حياتنا بشكل تلقائي يبدو لنا بإرادتنا واختيارنا لكننا نكتشف في الأخير عندما نُعمِل عقولنا أننا كنا تحت تأثير برمجة الدائرة التي نقع فيها وتحت نظام تشغيلها.
فهل كل منا يدافع عن دائرته عن إيمان أم عن أنانية؟ 


أنا مع الحب حتى حين يقتلني ... إذا تخليت عن عشقي فلستُ أنا
يبدو أن نزار هنا تحت تأثير برمجةٍ ما


الخميس، 19 يوليو 2012

كيف ينقلب الدفاع إلى إساءة

قررت أن أكتب بعد أن هدأت أعصابي علما بأن حالة الغليان الداخلي لا تزال نشطة لكنها أقل حدة من ذي قبل. فبعد أن فاجأتنا وكالة الأنباء العمانية بصور المتهمين بالإساءة بملابس السجن المهينة في نظري، فاجأنا تلفزيون سلطنة عمان بإذاعة خبر الدفعة الثانية من المتهمين والتي تضمنت إحدى بنات عمان. قام التلفزيون باذاعة الخبر مشفوعاً بصور المتهمين ومن ضمنهم الطالبة منى حاردان.
قبل أن أخوض في الحديث أود أن أوضح أن القضية هنا ليست الاحكام التي صدرت وإنما الطريقة المهينة المليئة بالتشفي التي تم بموجبها نشر صور المحكومين حتى قبل انتهاء القضية انتهاء كاملا أي قبل الاستئناف.  القضية الأخرى هي الأثر العكسي  للتشهيرالذي لم تحسب الحكومة له أي حساب وهو ردة الفعل الغاضبة من استخدام وسائل الاعلام المحلية للتشهير بمواطنين قد اعتذر بعضهم حتى قبل القبض عليهم.
شخصيا أصف الوضع بالمقلق لأن أجهزة الدولة الأمنية أصبحت تتدخل في عمل وزارات "مدنية" حسب ما يبدو. لا أستطيع أستيعاب أن يكون  د. عبدالمنعم الحسني هو من أمر بنشر الصور.. فما الذي ستضيفه الصور؟!!. أحس بالاحراج الشديد الذي وقع فيه وزير الاعلام، فهو نتاج لأحداث فبراير من العام الفائت.. هو من الدماء الشابة التي نادى بها المعتصمون لتبعث الحياة في الجسد الهرم للحكومة.. هو مع الدكتور عبدالله الحراصي الشخصيتان المتزنتان اللتان يعول عليهما الشباب الكثير في مستقبل الاعلام العماني. الآن تم وضعهما في فوهة الاحداث لكي ينقلب عليهما من عول عليهما في التغيير. نحن في الأخير نعرف أن وكالة الأنباء تابعة لوزارة الإعلام ولا يمكن أن نلقي باللوم على وزارة الصحة أو المكتب السلطاني حتى وإن كانا -فرضاً- خلف النشر، لهذا لا نستطيع لوم وزارة الصحة بل سنلوم وزارة الاعلام ووزيرها تحديدا.
إن ما حصل قد يكون أقوى من الوزيرين كون الأمر يتعلق بجلالة السلطان لكني مصر على أن نشر الصور بتلك الطريقة يعتبر خطأ لا يمكن تبريره فلم نصل بعد إلى هذا الحد الذي يستوجب ما حصل. الذي حصل "خطأ" لأن الصور تخص مواطنين لم يخونوا البلاد ولم يسرقوا المال العام ولم يتعاونوا مع قوى خارجية أو دول أجنبية. قد لا نتفق مع ما كتبوه لكن في نفس الوقت لا نقبل أن يتم التشهير بهم بهذه الطريقة المهينة التهديدية في مضمونها لبقية المواطنين. و"خطأ" لأنه قسّم المواطنين إلى مع وضد وذلك له تداعيات خطيرة. و"خطأ" لأنه وضع بعض المواطنين(المشهر بهم) في طريق اللاعودة. ماذا عساي أن أفعل بعد أن يتم التشهير بي بهذه الطريقة؟!! بالتأكيد سيظل الحقد مصاحبا لي وإلى الأبد على الأجهزة التي شهرت بي وعلى من باسمه تم التشهير بي.. نعم قد يحصل عفو وقد يعتذر البعض لكنه سيظل اعتذار لاعتبارات أسرية أو خوف أو أي شيء آخر بينما سيظل الجرح حاضرا.
عندما كان هؤلاء يكتبون في النت لم يكونوا معروفين على مستوى عمان ولم يكن ما يكتبونه معروفا على نطاق واسع ولكن بعد القبض عليهم وسجنهم ومحاكمتهم ونشر صورهم أصبح ما قالوه معلوماً وأصبحوا شخصيات عامة وأبطال في نظر البعض. بعد أن كان الجميع ينظر للسلطان على أنه فوق ما يجري، جرّه الادعاء العام بغباء إلى الساحة وأصبح مادة يتم تداولها بطرق شتى لا تليق بمقامه. وبعد أن صدر الحكم أصبح "رأس هؤلاء الشباب برأس السلطان" مما يعني أن الجميع سيتعاطف معهم.. لماذا؟ لأن السلطان لديه كل شيء وهم لا يملكون إلا أفكارهم التي يطرحونها في النت.. نعم لقد أساء الادعاء العام إلى السلطان بطريقة غير مباشرة. لقد سلط الضوء على أمر يمكن حله بطريقة أسهل وبدون أن يُساء إلى السلطان.
إذن لابد من أن نعرف ان هناك أيدي لا نستطيع أن نقول أنها بريئة تحاول أن تجر السلطان إلى الساحة وأن تجعله مادة تلوكها الألسنة تمهيداً لأمر لا نعلمه. لا يمكن أن نعتبر كل ما يجري باسم السلطان هو بالضرورة يخدم السلطان، فما حصل من فساد قبل 2011 كان تحت مسميات التنمية والسياحة وووو بينما كان الواقع هو خلق "شرخ" بين المواطنين والسلطان. نحن نقول أن السلطان تدارك الأمر واختار الشعب وغير الكثير ووظف الكثير ولا تزال بعض أوامره قيد التنفيذ وبعضها قيد الدراسة ولكن الأحداث الأخيرة التي عقبت الأحكام التي صدرت أثبتت أن هناك قرارات غير مدروسة تنال من الصورة المرسومة للسلطان في أعين شعبه.
أتمنى أن تتوقف مهزلة التشهير والتشفي وأن لا يُجرّ السلطان إلى الساحة وأن يتم تجاهل ما يتم تداوله عن السلطان في النت. قبل الفيسبوك والإنترنت كان هناك الكثير من القصص التي يتم تداولها عن السلطان وكانت رائجة ولكن الأجهزة الأمنية لم تلاحق أحد(حسب علمي) فظلت كل تلك القصص مجرد أساطير لم تحط من قدر السلطان أمام شعبه. الآن وبعد أن لاحق الادعاء العام بعض الذين يكتبون في الفيسبوك فإنه بذلك يضع السلطان في ساحة الحدث ويركز كل الأنظار عليه وعلى ما يفعل ولا نستبعد ظهور كتابات أقوى من تلك التي اعتقل وحوكم بموجبها بعض المواطنين.

أخيرا..
 لقد ساءني ما حدث من تشهير بالأخت منى حاردان وبقية من معها ومن قبلها في وسائل الإعلام الوطنية من جراء آلية نشر صورتها ولكن ما ساءني أكثر هو النزعة التي أوقعتها صدمة نشر صورتها في عقول بعض الشباب هنا في ظفار. 
أتمنى من الجميع الهدوء خلال الفترة القادمة كما أتمنى أن لا تصب "الإدارة الأمنية" مزيدا من الزيت على النار التي لم تشتعل بعد.. أتمنى أن نُدار بطريقة مدنية وأن تتوقف كل أشكال النفوذ العسكري والأمني على الساحة.. الله يحفظ عمان ومن عليها.

الاثنين، 9 يوليو 2012

وَقْعُ القَطْر



من فترة وأنا أريد أكتب شيء في هذه المدونة لكن كلما خطرت في بالي فكرة وجدت أن كتابتها بحاجة إلى تركيز وأرقام وشغل "من صح" وأنا بصراحة ما فيني.. خريف ورذاذ ومظبي.. ما شي وقت :). لم أستطع التركيز منذ فترة لأسباب عديدة منها الموسم السياحي الذي أطل علينا بحلته البهية وما ترتب عليه من أنشطة قد لا تكون منطقية أو مفيدة بالضرورة ولكنها من متطلبات الموسم وهي كفيلة بأن تجعل الواحد منشغل حتى بـ"اللاشغل"
الانهماك الشديد في العمل و"قلة الأمطار" لعبا دور بارز في نسياني للمدونة رغم تصفحي الدائم للنت من خلال هاتفي ومتابعتي لبعض المنتديات وصفحات الفيسبوك على طريقة " تفرج بس لا تلمس".. أحس أن 2012 سنة قحط تدويني :).. كنت معول على موسم الخريف بأنه سيعيد لي الحماس للكتابة لكنه طلع حاسد.. تأخَرَت الأمطار بعض الشيء وكان عليّ الانتظار. إلى الآن لم أشعر بمطر الخريف "من صح" إلا مرة واحدة.. الله كريم.

قبل ليلتين وأنا عائد من المهرجان (مركز البلدية الترفيهي ماعرف ليش نسميه المهرجان) شعرت أن الخريف بدأ يتحرش..كان الوقت يقارب منتصف الليل..كنت مرهق جداً لكنه تَحَرُّش الرذاذ، فبدلاً من الذهاب إلى البيت قررت الاتجاه إلى الجبل.. وصلت إلى إحدى البقع الخالية من الأشجار والصخور.. أوقفت سيارتي على بعد متر واحد من الشارع.. رميت "نعالي" خارج السيارة وهِمْتُ على وجهي كالمجنون.. أتممت ساعة كاملة أمشي حافي القدمين وحاسر الرأس.. كنت أريد أن أبتلّ بالكامل.. كانت السماء كريمة جداً وكنت في قمة البهجة والشاعرية والجنون..ابتللت.. أحسست أن الخريف كل الخريف لي وأن كل قطرة قد بعثتها السماء لي وحدي.. اندمجت مع المكان وأحسست أن العالم من حولي عبارة عن رذاذ لطيف.. هنا السماء تمطر محبة.. أحببت العالم كما لم أحبه من قبل وأحببت الحياة بطريقة رذاذية صافية .. تصالحت مع كل شيء.. تذكرت عبارة قرأتها في كتاب رائع تقول" هناك لحظات نشعر فيها أننا متصالحون مع العالم".. نعم كانت تلك هي لحظاتي الأكثر تصالحية مع ما حولي .. أحسست أن علي أن أرقص رقصة زوربا اليوناني.. كانت لحظات صفاء لا يمكن التعبير عنها إلا بتلك الرقصة.


بعد أن شبعت قدماي من المشي والحوار مع التربة المبللة رجعت إلى الموقع الذي تركت فيه السيارة .. جلست على الأرض المبللة.. لا أريد ترك المكان.. كانت رائحة التربة تملأ المكان..وكانت لحظات الصفاء والتصالح مع الكون مسيطرة..اغمضت عينيّ واستسلمت لهمس الرذاذ كطفل غلبه النوم بعد أن أعياه اللعب طوال النهار... فجأة مرت سيارة عابرة بقربي أفسدت علي خلوتي.. نظرت إلى شاشة الهاتف فإذا بالساعة تناهز الثالثة صباحاً.. قلت في نفسي "ويحوووه" راح دوام بكره :).. دورت على نعالي، ركبت السيارة وعدت أدراجي حاملاً معي ما حَمَلَتْه ملابسي وشَعَري من الرذاذ وما التصق بقدميّ من تراب.. كان ذلك بداية وقع قطر الخريف علي.. الله يستر من الجاي وكل عام والجميع "مخرف".

عيناك مثل الليلة الماطرة .. مراكبي غارقة فيها ... (نزار)
للتواصل راسلني على: hesheandme@gmail.com