الجمعة، 23 ديسمبر 2011

وفي سلوككم أفلا تبصرون؟!


سلوكيات في ظفار أتمنى أن تزول..

هل نحن بحاجة إلى خطة استراتيجية لتحسين سلوك الأفراد وتغيير بعض العادات السيئة من أجل أن تتغير الأمة إلى الأفضل؟... الإجابة باختصار شديد: نعم نحن بحاجة إلى تكثيف في هذا الجانب. وكما قال عادل إمام الأمر محتاج "شغل بعد الظهر" أي أن العمل بالطريقة المعتادة لحل هذه المعضلة ما راح يعالجها وعلى من تعنيه المشكلة ولديه إحساس بها أن لا يستكثر عليها الوقت. الحكومة مشغولة بأشياء كثيرة والإعلام في مرحلة التغيير والمواطن أصبح شريك إلى حد كبير وإن لم يكن شريكاً بشكل واضح فالظروف قد تهيأت له كي ينطلق لخدمة مجتمعه.
أعتقد أن هناك أسباب كثيرة لتخلف مجتمعاتنا ولكن السلوكيات السيئة المترسخة فيها أي في المجتمعات، هي التي تساعد على بقاء المشكلة وإطالة عمرها.. مجتمعاتنا العربية متشابهة المشاكل ومجتمعنا العماني جزء من هذه المجتمعات المشبعة بطبقات من السلوكيات الضاربة في جذور الزمن والتي نحسبها جميلة وهي تساهم في منعنا من التقدم نحو الحياة الحديثة. في ظفار لدينا "بلاوينا" الخاصة بالتأكيد ولكن مواجهتها قد لا يكون بالأمر اليسير خاصة إذا أحس المواطن بالهجوم.. هي ستتغير لا محالة ولكنها بدلا من القضاء عليها بشكل نهائي وسريع ستتشوه إلى أن تختفى بعد أن تكون قد استهلكت منا أجيال كثيرة.
صراحة لا أدري من أين أبدأ  لأن الموضوع متشعب ""جداً وكلما فكرت في مشكلة، هطلت علي زخات من المشاكل المتفرعة من منخفض المشاكل المداري الجاثم على صدر المنطقة. لكني سألخص الموضوع بشكله العام على هيئة نقاط فبعد نقاش متواصل مع أكثر من شخص للسلوكيات السيئة التي يتمنون زوالها من المجتمع في ظفار خاصة(بالطبع السلوكيات التي رصدتها قد تكون موجودة في كل بقاع عمان وغير عمان) سجلت السلوكيات الرئيسية التالية بدون تسلسل منطقي:
1. عدم احترام النظام في الأماكن الخدمية والبنوك وعلى الطريق. التزاحم وعدم الالتزام بالطابور ووجود أشخاص "مستعجلين" دائماً وكأن البقية ليس لديهم أعمال من أكثر الملاحظات التي ترفع الضغط في كل مكان خدمي في ظفار. هناك تحسن بسيط ولكن المشكلة لا تزال تتكرر. كذلك فإنه مع زيادة المركبات وضيق الشوارع وأثناء فترات الذروة تجد بعض السائقين يتجاوزون من اليمين كنوع من "الفهلوة" والاستعراض تؤدي إلى عمل اختناقات وتدفع بعض شبه الملتزمين بالقانون إلى ارتكاب نفس الخطأ نتيجة التأخير الغير مبرر الذي يتعرضون له بسبب تلك التصرفات الغير مسئولة.
2. عدم الإحساس بالمسئولية إلا فيما يخص الفرد ذاتياً.
3. عدم الالتزام بالدوام أو عدم احترام الدوام.
4.السهر في المقاهي إلى أوقات متأخرة على مدار الأسبوع. هذه الصفة تتنافى مع الانتاجية وتعطي مؤشر إلى أن المجتمع غير عملي أو ربما غير مكترث أو ربما يهرب من التزاماته في البيت. وقد يقترن هذا بعدم الإحساس بالمسئولية. كل ذلك يؤخر التقدم ويندرج تحت عدم احترام الوقت.
5.عدم احترام البيئة برمي المخلفات في الحارات ومن المركبات وفي الأماكن النائية وهذا أيضاً يندرج تحت عدم الإحساس بالمسئولية.
6. قلة القراءة أو غياب الكتاب عن الفرد بشكل شبه دائم. أي عدم السعي للمعرفة والعرف على أفكار وتجارب خارج إطار التجارب المتعارف عليها.
7.عدم وجود روح المبادرة.. وهي تندرج أيضاً تحت عدم الاحساس بالمسئولية تجاه المجتمع.
8.ترك حل المشاكل للحكومة وذلك يندرج تحت عدم المبادرة و كذلك ربما الموروث القبلي والحساسيات قد تمنع الفرد من المبادرة. بمعنى تجنب مشاكل أكبر أو الخوف من المدفون تحت الرماد.
9.التعصب القبلي. أكبر عائق أمام التمدن. هو الحبل الذي يشدنا للخلف دائما لأنه يكرس الفرقة ويعتمد على التمييز وعدم المساواة. هذا بدوره يخرج الفرد من هدفه العام وهو خدمة الجميع إلى هدف أضيق وهو خدمة الفئة أو القبيلة الأمر الذي يشغل الفرد في مشاكل هامشية تعيق مساهمته في خدمة وطنه.
10.البصق في الشارع وأمام الجميع (خاصة أصحاب السويكة والماوة).. هنا لا يفكر "الباصق" في نظافة الشارع ولا كيف أنه يؤثر على نفسية من يراه(سلوك مقزز للمتفرج) .. لا يهمه إلا شيء واحد وهو نظافة سيارته التي أراد أن ينقذها من "الزبالة" التي ينفثها في الشارع. الحل هنا سهل جداً –إن كان لا بد من التخزين- وهو وجود كيس نفايات في السيارة لهذا الغرض ولغيره. هذا السلوك السيئ يعطي مؤشر على الجهل وعدم الاحساس بالمسئولية تجاه الذوق العام.
11.عدم احترام المرافق العامة مثل دورات المياه العامة سواء في المواقع السياحية أو المساجد أو في أي موقع خدمي عام. . ما راح أتكلم هنا لأن الموضوع متعب للغاية والجميع يعرف أن لدينا مشكلة ولكن لا أحد يكلف نفسه عناء ضبط نفسه على الأقل.. محتاجين حملة مكثفة لكيفية استخدام دورات المياه العامة بشكل رحيم.
12.الواسطة؛ تعد الواسطة من أكبر الآفات المنتشرة في ثقافتنا في ظفار بشكل خاص وأعتقد أنها صفة عربية أصيلة. أرى أنها أم المشاكل ويرتبط بها الغش والمجاملة وغيرها من الصفات المنهكة لمحاولة التطور والتقدم. أعرف أنها مرتبطة بالقبلية أيضاً وأن الجميع يدرك تأثيرها ولكن عندما نحتاجها فإننا ننسى الجميع إلا أنفسنا.. هنا يشتغل هرمون الأنانية بقوة.
13.الغش في الإمتحانات. هذه الصفة أصبحت سائدة فهي منتشرة من الابتدائية إلى الجامعة وقد تجد بعض المدرسين متورطين فيها. الغش هنا يعني حصولك على ما لا تستحقه أي أنك قد تحرم إنسان من مقعد دراسي يستحقه. كذلك يعني أنك قد تعتمد طوال حياتك على أخذ مال وحق الغير. أي أنك خلية سرطانية في جسد الأمة. تخيلوا معي كم خلية سرطانية موجودة لدينا من هذا النوع؟ وتخيلو لو لم تكن لدينا أي خلية من هذا النوع، هل سنكون أفضل؟
14.التعليم من أجل الشهادة والوجاهة الاجتماعية ونتيجة لذلك تجد بعض أصحاب الشهادات العليا أقل معرفة من أصحاب الشهادات العامة ونتيجة لقلة رصيدهم المعرفي وتربعهم على أماكن مهمة تترهل المؤسسات التي يديرونها ويتأخر النمو والتطور ويتم هدر المال نتيجة الرؤية قصيرة المدى وربما عدم الرؤية وقس على ذلك.
15.النظر للمرأة نظرة دونية أو لنقل تعطيل دور المرأة وتحديد مسارها وتفصيل وتحديد سلوك ليس عليها الخروج من أُطُره. بسبب ذلك تجد وجود المرأة في المجتمع في بعض الأماكن فائض أو غير منتج ليس لشيء إلا لأنها أنثى أو كما يحلو للبعض قوله؛ مراعاة طبيعتها الأنثوية .
16.الإحساس بالتفوق العرقي. كل فرد يرى أنه ينحدر من أصل ذهبي وهذا بدوره يعطل الفرد عن النظر إلى المستقبل والتطوير الذاتي بل يظل ماشياً ورأسه إلى الخلف يعدد إنجازات جدوده دون أن يكلف نفسه عناء تطوير ذاته وبناء مجد لأبنائه وأحفاده.
17.الاعتماد على الأجنبي في كل شي؛ في البيت والمتجر والمزرعة والإبل والبقر والغنم والمسجد والمقبرة.. إلخ.
18.احتقار العمل اليدوي أو نوع معين من الأعمال.
19.الأنانية والجشع؛ قد يبدو هذا غير منصف ولكن الملاحظ أن الأنانية تلعب دور كبير في حياتنا وعندنا الاستعداد لقبول الهبات الحكومية حتى وإن كانت على حساب أهلنا وذوينا ووطننا ومستقبل أجياله.
20.الجميع يريد أن يعيش في مستوى الغني فلا تجد فرق في الأعراس أو النفقات أو اللباس والإكسسوارات وهذا بدوره يثقل كاهل الفرد الأمر الذي يحجم آلية تفكيره ويقضي على الإبداع لديه بل ربما يدفعه إلى اللجوء لطرق غير شرعية للتكسب.
 هذا بعض ما سجلته وليس كل شيء.
 ***
هناك مفردات كثيرة يمكن أن تخطر على بالنا عندما نتطرق إلى السلوك السيء وقد تعطينا كلمة ما انطباع على أن السلوك السيئ ناتج عن أكثر من مصدر.هناك سلوك سيء ناتج عن خلفيات ثقافية عربية وهناك سلوكيات ناتجة عن فهم معين للدين وبعضها مرتبط بأحاديث قد لا تكون صحيحة.
النسب والعرق والتعصب والانتماء القبلي هي من الموروث العربي الخالص ولعل ممارساتنا اليومية وتفسيرنا لسلوك بعضنا البعض لعل ذلك خير دليل على ترسخ الواسطة والمحاباة والتمييز في معاملاتنا وهباتنا وهذا بدوره يضع الأشياء في غير مواضعها أي أن ذلك يشجع انتشار الفساد ويكرسه. النتيجة دائما هي وجود أشخاص غير مؤهلين في أماكن لا تتوافق مع إمكانياتهم المعرفية والمهارية وذلك يؤدي بالطبع إلى هدر المال العام والعقول الواعدة وتأخير التطور.
الجانب الديني ما راح أخوض في السلوكيات السيئة المرتبطة فيه لأن الموضوعحساس ويحتاج الدقة المتناهية.
***
عندما أتحدث عن السلوك السيئ لا أعني أنه السلوك السائد بل هو سلوك شاذ يرتكبه البعض عن جهل ويؤمن به البعض بسبب العادة وعدم الإنكار من المجتمع المحيط. عدم إنكاره بشكل علني وعدم مناقشته جعله جزء من الثقافة العامة.
أعتقد أن جزء من المشكلة متعلق بالتعريفات؛ فمثلاً الغش ككلمة تُعتبر منبوذة مجتمعياً ودينياً ولكنها عندما تتعلق بمصلحة فردية لطالب في المدرسة أو الجامعة لا يستنكرها المجتمع بل قد يشعر الغاش بأنه مبدع وقد يتفاخر بذلك أمام أهله دون أن ينكروا عليه فعلته أو يوبخوه. سلوك الغش في الإمتحانات هو أحد السلوك الرئيسية التي إن اقتنع الجميع من "دواخلهم " بتركها فإن ذلك يعني بأن الاعتماد على الذات والتحدي الداخلي معها قد أصبح قناعة فردية وجماعية وبالتالي ثقافة عامة وعندما تصبح كذلك فإن النتيجة الإيجابية ستكون على كل الأصعدة. الامتناع عن الغش الدراسي بالذات عن قناعة يعتبر مؤشر على جاهزية الفرد لتحمل المسئولية.
***
عندما يحس الفرد بأن عليه مسئولية تجاه مجتمعه ويقرن ذلك بالمبادرة تجاه المجتمع فإنه ينقل نفسه من الإنسان "الرقم" الذي لن يحس بوجوده أو بغيابه أحد، إلى الإنسان "المهم" الذي سيؤثر غيابه على محيطه. ولعل المسئولية والمبادرة هما من أهم ميزات الفرد في المجتمعات المتقدمة على الرغم من وجود هيئات وجمعيات ومنظمات مجتمع مدني في تلك المجتمعات تضطلع بالكثير من المبادرات والأعمال العامة.
لم يتم خلق تلك الصفات الحميدة(المبادرة والمسئولية) من العدم ولم تأتِ بإلهام من السماء ولكنها تشكلت نتيجة لسعي الإنسان في تلك المجتمعات إلى تحسين نمط حياته وحياة مجتمعه. يولد الإنسان في تلك المجتمعات بالطريقة التي نولد بها ويتنفس نفس نوع الهواء الذي نتنفسه(هو عمل الحدائق لتنقية الهواء ونحن نتسلى بالغبار ونعطس منه ثم نلعن الطين والريح) ولكن الفرق أنه تعلم من أبيه وأمه ومدرسته ومحيطه أنه مشترك مع الجميع في الهواء والماء والتراب وعليه أن يحافظ على كل تلك العناصر المهمة لكي يعيش حياته بسلام، كما أن عليه أن يحب الجميع من أجل نفس الغرض. من هذا المنطلق وبسبب التعليم المنطقي الذي نشأ عليه ترسخت عنده المبادرة والمسئولية تجاه محيطه أينما حل وسكن سواء في وطنه أو في وطن آخر غير وطنه. تعلم أن عليه أن يحب أي بقعة يتجه إليها أو يزورها  أو يسكن فيها ليس لكي يدخل الجنة في حياة أخرى بل لكي يعيش حياته في جنة؛ جنة رضاه عن ذاته.
عملية الانتماء إلى الجمعيات وهيئات ومنظمات المجتمع المدني هي من صلب المبادرة والمسئولية تجاه المجتمع والوطن والإنسانية. ولعل هذا هو ما يجب أن نتحرك جميعا من أجله لكي يتم خلق سلوك جديد منظم وغير مكلف يخدم المجتمع ويرفع الحرج عن الإخفاق الحكومي في بعض المجالات التي أقحمت نفسها فيها مع عدم اختيار الأفراد المؤمنين بالعمل الخدمي من تلقاء أنفسهم من ناحية وعدم وجود استراتيجية ومنهجية واضحة في هذا الشأن.
في الجمعيات العامة المعنية بخدمة المجتمع يتجمع المتطوعون للمجالات الخدمية التي يرون أنهم قادرين على الإضافة فيها ويعملون دون ضغط من أحد  من أجل إرضاء ضمائرهم أولاً وحباً منهم للمجتمع وخدمته. عندما يزيد عدد المتطوعين للعمل الأهلي فإن ذلك مؤشر على أن المجتمع أصبح ينتج عقاراً يحافظ به على صحته ويطيل به عمره.
****
ما أود طرحه هنا مرتبط بكشف السلوكيات الخاطئة المؤثرة في حياتنا العامة والتي أراها معيقة للتنمية والتقدم وأتمنى أن يتم القضاء عليها في المستقبل.. قد يتم تفسير  هذا الطرح بأنه تعرية للمجتمع أو استهداف غير مبرر له ولكني أرى أن تسليط الضوء على المشاكل ومكامن الخلل هي الخطوة الأولى وبداية الحل. ما لم نعترف بعيوبنا ومشاكلنا وما لم نقم بمواجهتها ومحاولة حلها بأنفسنا دون خجل فإننا لن نخطو للأمام وسنظل "محلك سر". أتمنى ممن يقرأ هذه التدوينة ألا يفسرها في غير الصالح العام وأن يناقش نقاش موضوعي وهادف لما فيه الصالح العام.

 أعتذر على عدم ترتيب الأفكار
وأشكر كل من كان له دور في هذه التدوينة سواء بالنقاش المباشر أو الغير مباشر دون ذكر أسماء

الاثنين، 12 ديسمبر 2011

الصعود الخاطئ


الموظف العادي بدأ يعي أن الشهادة أصبحت مهمة لصعوده في السلم الوظيفي بعد أن رأى زميله الأقل منه كفاءة في العمل قد أصبح رئيسه. أصبح رئيسه فقط لأنه استطاع إحضار شهادة ماجستير من إحدى الدول العربية أو من الهند  وأحيانا من بريطانيا. هو يعرف أن رئيسه الجديد لا يملك مهارات ولا قدرات إدارية أفضل منه ولكن طريقة المؤسسة في الترقية وإعطاء المناصب الادارية تنتهج هذا النهج دون البحث عن قدرات الشخص الحقيقية أو البحث من أين أتى بالشهادة وكيف؟.  في هذا الوقت بالذات أدرك الموظف أن عليه جلب الشهادة بأي طريقة كانت وقد فعل.
طلب تفريغ بعد أن سجل في إحدى الجامعات و أتى بالشهادة  حسب المطلوب؛ مصدقة من الخارجية والتعليم العالي وأماكن أخرى. رجع إلى  مقر عمله فاتحاً فاستلم منصباً يتماشى مع شهادته. أصبح يخطط لمستقبل العمل. وضع الخطط وألزم بها من هم تحت إمرته. تطور العمل وفق المنهجية التي وضعها. تطور العمل في رأسه وحسب مفهومه ولكنه على الأرض كان يتدهور أي العمل..
صاحبنا لا يملك أي مهارات ولم يدرب نفسه على شيء سوى تلك الشهادة التي أنفق عليها المال والولد ( كيف الولد؟ سأشرحها في التعليقات إذا حد طلب مني ذلك :)).. ماذا نتوقع من الخطط التي وضعها صاحبنا؟! سأجاوب.. بالتأكيد ستأتي متوافقة مع مستوى تفكيره أي أنها ستكون عقيمة في أغلب الحالات لأن فاقد الشيء لا يمكن أن يعطيه. هذا لا يعني أن صاحبنا سيئ أو نيته سيئة ولكنه وُضِع في المكان الخطأ فأتى بالأخطاء وهنا نلوم النظام الذي سمح له أن يتبوأ منصباً قيادياً كان بالإمكان أن يكون فيه غيره الأفضل منه. تراكم الأخطاء والقرارات الارتجالية أدت إلى ترهل المؤسسة التي على رأسها صاحبنا. أصبح الجهل ينتج جهلاً آخر وتراكم إلى أن أصبح طبقات لا يمكن إزالتها إلا بأصابع الديناميت.
 يتكرر هذا الأمرعندنا في عمان كثيرا ولكنه في ظفار يبلغ أوجه حسب رؤيتي المتواضعة وهذا هو سبب بطء التنمية والتطوير عندنا.. وجود الأشخاص "الخطأ" في الأماكن الخاطئة هو الطابور الخامس.. هو السرطان الذي يجب استئصاله مهما كلف الثمن.

بعدما عملت مسح  للوضع العام في عمان اتضح لي بما لا يدع مجالاً للشك أنه سيتم قهر الجهل والتخلف في كل بقاع عمان وإن كان بعد حين لكنه سيمكث ردحاً من الزمن -بعد رحيله بسنوات من بقية مناطق عمان- في ظفار نتيجة وجود طبقات من التخلف في المواقع المؤثرة. فما لم يتحرك المخلصون للثورة على الوضع الراهن فإن الكثير من المال والوقت سيهدر في غير موضعه وتحت شعارات رنانة ووطنية..
الثورة المطلوبة هنا سلوكية وفكرية.. هي ثورة  على التخلف الموجود في المؤسسات الحكومية والثورة على السلوك السيء الناتج عن اليأس من تحسن الأوضاع نتيجة الواقع السيء لهذه المؤسسات وأخص بالذكر هنا مؤسسة الحكم المحلي المتخلفة جداً (مكتب محافظ ظفار) ومؤسسة التربية والتعليم بالمحافظة.
هاتان المؤسستان من أهم ركائز التغيير في المحافظة لأن مكتب المحافظ يدير كل المناطق في ظفار والمدارس موجودة في كل قرية.
مكتب المحافظ يعتمد في توزيعه للولاة ونوابهم ومساعديهم على التوزيع القبلي ولا بأس إن كان مبني على أساس ومعيار حديث لكن ولسوء حظنا ليست لديه سياسة  واضحة لتجديد الدماء أو لاستقطاب للعقول الادارية الواعدة الكفيلة بتطوير عمل المكتب بل يعمل وكأنه يمثل دور الدولة العثمانية في تعاملها مع المنطقة العربية عندما حاصرتها وحافظت على تخلفها لقرون قبل أن تحرضها بريطانيا على الثورة.
لا أستطيع القول أن المكتب يقصد ما يفعل وأنه يكرس تخلف المحافظة عن سابق إصرار ولكني موقن أن السبب الرئيسي لكل هذا الخمول هو وجود أشخاص غير مؤهلين في الأماكن والمراكز التي لا يجيدونها. لهذا أتمنى أن يكون المكتب وراسمي سياساته قد تعلموا من درس الاعتصام الذي كان على بابه أي باب المكتب.
عندما يختل معيار الكفاءة وينخر التخلف في جسد المؤسسة ويحصل الانسداد فلا بد من صدمة لإحداث التغيير.. والصدمات أنواع وأشكال نقطة


السبت، 3 ديسمبر 2011

كسر الحاجز

صباح المساء ومساء الصباح..
ما أحلى الإجازة..
وما أملّها أيضاً..
الجميل أن يصل الواحد إلى حالة نسيان مسميات الأيام وأن يشتغل بالتخمين.. تُرى اليوم السبت أم الثلاثاء ؟!!
شخصيا لم أكثرث... أحسست أن نزع الأسماء عن الأيام سيكون ممتع لبعض الوقت.. ربما لأني أعلم أني سأعود وأُلبس الأيام مسمياتها رغماً عني فالدوام قادم لا محالة.
انقضى شهر نوفمبر العظيم بإجازاته وأعياده وأمطاره وانعدام القريحة التدوينية لدي فيه وبدأ شهر ديسمبر برياح شمالية إلى شمالية شرقية خفيفة إلى معتدلة وباردة ليلاً  والبحر هاديء الموج جداً. بدأ ديسمبر وبدأ معه الشتاء مبكرا رغم أنه يبدأ رسمياً يوم 21 . شخصياً أكره الرياح الشمالية القوية(بوخريقة) لأسباب لن أذكرها. ولكن يجب أن أنوه أن محبي الرحلات اللحمية يحبون الشتاء لأن "المقاديد" تنشف بسرعة وتصبح جاهزة لعمل المعجين منها. السبب أن الرياح الصحراوية تأتي بأقل كمية من الرطوبة رغم برودتها.

من ناحية أخرى لدي رغبة شديدة في تتبع آثار الأمطار الأخيرة خاصة في سمحان( من آخر نقطة تصل إليها السيارة على سطح الجبل إلى حاسك) ولكن إلى الآن لم أجد أحد يرافقني وفي نفس الوقت أنا لا أدل الطريق إلا من خلال جوجل إيرث. بالطبع لا يمكن لعاقل أن يذهب لوحده تلك المسافة وهو في الأصل يجهل الطريق. أتمنى ممن يجد في نفسه المقدرة على اجتياز هذه المسافة بعدته الكاملة أن يراسلني.

كنت في الأسبوع الماضي في الشويمية وكانت آثار الأمطار في الوديان وعلى الطرق واضحة. يبدو أن كمية الأمطار كانت خرافية. فبعد أن كان دخول وادي الشويمية سهل للغاية حتى على "الصوالين" أصبح دخوله بسيارات الدفع الرباعي مزعج جداً نتيجة لانجراف الطريق وحلول الصخور والأحجار مكانه. كذلك فإن الطريق الجديد بين الشويمية وحاسك(تحت الإنشاء) والذي وصل إلى مرحلة لا بأس بها قد  تضرر هو الآخر كثيراً من الأمطار وعطبت بعض المعدات فيه بسبب كمية المياه التي غمرتها رغم أنها أي المعدات لم تكن في أودية. الملفت للنظر أن أشجار اللبان منتشرة بشكل رائع في الأودية والروابي وهي في أبهى خضرتها ولا تشتكي إلا من قسوة الطريق الجديد الذي قضى على الكثير منها دون مبرر.
طريق الشويمية حاسك يُعد من المشاريع الرائعة للبشر العماني وغير العماني وكذلك على الاقتصاد بشكل عام ولكن تأثيره على الحياة البرية بشتى أنواعها سيكون شديداً. أشجار اللبان تغمر بالأتربة والصخور ويتم جرفها دون أي استفادة منها مع العلم أنه بالإمكان نقل كميات كبيرة منها وإعادة زراعتها. كما أن النمر العربي وبقية الحيوانات البرية النادرة ستتعرض إلى إزعاج البشر والتضييق عليها في آخر معاقلها.
لا أقول ما قلت من أجل إيقاف المشروع بل أقوله من أجل تقليل خسائر المشروع على الحياة البرية والأحياء والنباتات النادرة.
هذا ما لدي الآن..
لم أكتب هذه التدوينة إلا لكسر حاجز الجمود عن الكتابة  الذي أصابني منذ فترة علها تكون فاتحة خير لقريحة أفضل. يبدو أن القريحة أصبحت كميزانية الوزارة في نهاية السنة حيث يبدأ عجزها الحقيقي من شهر نوفمبر ويستمر معها إلى نهاية السنة.

إلى الصور..
طريق حاسك الشويمية في موطن أجود أصناف اللبان في ظفار
أشجار اللبان في أبهى حلة ويبدو الطريق الجديد في الخلفية



ملاحظة: الصورة ملتقطة بالهاتف ومعالجة بالفوتوشوب. اضغط على الصورة لتراها بحجم أكبر
للتواصل راسلني على: hesheandme@gmail.com