الخميس، 27 مايو 2010

ازدواجية

نتكلم دائماً عن القيم والمباديء والأخلاق العربية والاسلامية المزروعة فينا حسبما ندعي دون أن ننظر إلى مدى تطبيق هذه المباديء على أرض الواقع .. نردد دائما العبارة الجميلة "الدين المعاملة" دون أن نكلف أنفسنا عناء ممارستها.. نتكلم عن الشهامة والكرم العربيين.. نحكي أشياء كثيرة.. في الأخير نعجز عن التطبيق لأننا نتكلم عن أمرٍ ليس له وجود في واقعنا.
تيقنت الآن أن تمجيدنا للشيء( كالكرم والاخلاق والقيم والمباديء) هو فقط بسبب انخفاض منسوب ذلك الشئ فينا أو انعدامه.
أما بعد:
ذهبت يوم الاربعاء الموافق للـ .... من شهر مايو الجاري إلى قيادة شرطة محافظة لظفار لتجديد كل من مركبتي ورخصة القيادة..
لا أدري كيف أبدأ..مممممم..

المبنى جميل وجديد وأنيق من الخارج.. وهو كخلية النحل.. دشاديش من كل لون.. مصرات.. غُتر.. شماغات محلية التطريز... عمانيين.. أجانب..الشعب كله مستعجل كالعادة.. للوهلة الآولى تشعر أن وراء هذه الحركة إنجازات عظيمة.. حالات غريبة جداً.. ولكن في الأخير وبعد الصدمة يتضح لك عملياً أن الوضع مختلف... عالم ثالث عنده شوية نقود.. عالم ثالث ليس لديه النية للإنتظام من تلقاء نفسه.. قد تكون العلة فيه وقد تكون الظروف اجتمعت عليه لأن يكون بهذا الوضع.
عندما تدخل إلى المبنى(مكان تجديد المركبات والرخصة ونقل الملكية إلخ) يخيل إليك أن ظفار عن بكرة أمها وأبيها متواجدة في المبنى.. ليش؟.. ربما لأنه المكان الوحيد في ظفار الذي يمكن أن تخلص فيه المعاملات من هذا النوع (إضافة إلى بطاقات الاقامة للأجانب والجوازات والبطاقات الشخصية للمواطنين...)
وبالرغم من أن هناك أرقام تنظم الشعب إلا أن هناك بعض التجاوزات.. وهي تجاوزات واسعة جداً. ستجد مواطن يذهب إلى النافذة الخاصة بتخليص معاملته لأن خلفها موظف يعرفه بالرغم من وجود أشخاص في الانتظار لديهم أرقام ومنتظرين العداد الالكتروني الذي تظهر عليه الارقام... سترى أن هناك أفراد من الشرطة لديهم معاملات أقربائهم أو أصدقائهم يمرون من الداخل إلى الموظف ويسلمونه المعاملات مباشرة بينما الطيبون(نحن) منتظرين أرقامهم تظهر في اللوحة الألكترونية..
في الأخير عندما ينتهي أصحاب المعرفة وأفراد الشرطة من تخليص معاملاتهم سيأتي دورنا نحن الملتزمون بالقانون والدور وسنتفاجأ بأن الموظف الفاسد(منطقياً هو فاسد لأنه ميز بين المواطنين) يعبس في وجوهنا وكأننا قتلنا أباه!!.. لماذا؟!!.. إلى الآن ما فهمت ليش هو عابس؟.. فأنا ذهبت لأدفع من حر مالي مقابل خدمة .. لم آتي نزهة وكذلك غيري.. فالجميع أتى من أجل خدمة سيدفع مقابلها.. أضف إلى ذلك أن مهمة هؤلاء ووظيفتهم أن يقدموا تلك الخدمة للمواطنين والمقيمين فهي ليست منة منهم على أحد..
أتوقع أن على مالك بن سليمان حل هذه المشكلة قبل أن يخالف الشعب على السرعة في الطرق الخالية من السيارات.. على جهاز الشرطة أن يثقف موظفيه مقدمي الخدمة إلى الناس، عليه أن يعرفهم أن الشعب الذي ينزف أمواله في أقسام الشرطة من أجل بطاقات ومخالفات بحاجة ماسة إلى ابتسامة ممن يشرب ذلك النزيف.. محتاجين معاملة محترمة مقابل ما ندفع يا مالك.
هذا موضوع وانتهى وبالنشرة نبأ آخر هام جداً متعلق بالمقدمة أعلاه..
صراحة شفت مشهد غريب ومحزن.. صورته بهاتفي النقال وهذه هي القشة التي قصمت ظهر حماري ودفعتني لأن أكتب عن تجربتي لذلك اليوم في قيادة الشرطة بالسعادة.
ففي عز الحرارة والرطوبة وفي عز الظهر وجدت طابور كبير(بعدما جددت بطاقاتي) من العمالة الوافدة منتظرين خارج مبنى الإقامة والجنسية والجوازات(كأني عصدت الإسم).. منتظرين في طابور وممنوع عليهم الدخول حتى نهاية الدوام أو شيء من هذا القبيل..فإذا لم يحضر كفيل(واسطة) العامل الوافد فعلى العامل أن ينتظر في الشمس حتى يخلص الجميع.. قد يكون هناك إجراء خاص بهؤلاء أو توقيت معين لمعاملاتهم ولكن ليست هذه هي المشكلة.. المشكلة كيف تسمح الشرطة بوقوف هؤلاء المساكين- الذين يملأون خزانة الدولة بالنقود- في الشمس؟ لماذا لا تعطيهم أرقام تسلسلية وتوفر لهم مأوى للإنتظار أو تمنعهم من الوقوف بهذه الطريقة؟.. العملية في مظهرها غير إنسانية ولا يمكن أن يقبلها أحد..لماذا نطلب من الأجنبي(الهندي والباكستاني والبنجالي بالذات) أن يحترم البلد ويخلص لعمله ولا يغش؟ لماذا نطلب منه أن يكون ملاكاً ونحن لا نظهر له أدنى نوع من أنواع المعاملة البشرية حتى على المستوى الحكومي؟..علينا أن نراجع قيمنا ومبادئنا وأسلوب معاملتنا للآخرين.. طبعاً أقصد كل الآخرين وبالذات الضعفاء والمساكين أمثال من في الصورة.
نحن لا نتجرأ أن نعامل بريطاني أو أمريكي أبيض أو أوروبي مثلما نعامل هندي أو بنجالي أو حتى عربي، حتى وإن كانوا بنفس المستوى من المعرفة والتعليم!!..فعلى ماذا يدل هذا؟ أرجو منكم مساعدتي في تفسير هذه الازدواجية؟...
أتوقع السبب متعلق بتشوه القيم والمباديء كتشوه الفندال لدينا..


ملاحظة: للتكبير اضغط على الصورة

هناك 4 تعليقات:

  1. أماسي
    أيتها المخربشة.. " ما في معلوم" أربابة!
    "صورة في كلام"
    تحياتي المحفيفية

    ردحذف
  2. معقووولة!!!!
    أليسوا بشر؟؟؟

    ردحذف
  3. هذا الذي رأيته
    طبعاً هم بشر بس إلى يرضى يعذبهم
    بهذا الشكل ليس ببشر...

    ردحذف

للتواصل راسلني على: hesheandme@gmail.com