الاثنين، 9 يوليو 2012

وَقْعُ القَطْر



من فترة وأنا أريد أكتب شيء في هذه المدونة لكن كلما خطرت في بالي فكرة وجدت أن كتابتها بحاجة إلى تركيز وأرقام وشغل "من صح" وأنا بصراحة ما فيني.. خريف ورذاذ ومظبي.. ما شي وقت :). لم أستطع التركيز منذ فترة لأسباب عديدة منها الموسم السياحي الذي أطل علينا بحلته البهية وما ترتب عليه من أنشطة قد لا تكون منطقية أو مفيدة بالضرورة ولكنها من متطلبات الموسم وهي كفيلة بأن تجعل الواحد منشغل حتى بـ"اللاشغل"
الانهماك الشديد في العمل و"قلة الأمطار" لعبا دور بارز في نسياني للمدونة رغم تصفحي الدائم للنت من خلال هاتفي ومتابعتي لبعض المنتديات وصفحات الفيسبوك على طريقة " تفرج بس لا تلمس".. أحس أن 2012 سنة قحط تدويني :).. كنت معول على موسم الخريف بأنه سيعيد لي الحماس للكتابة لكنه طلع حاسد.. تأخَرَت الأمطار بعض الشيء وكان عليّ الانتظار. إلى الآن لم أشعر بمطر الخريف "من صح" إلا مرة واحدة.. الله كريم.

قبل ليلتين وأنا عائد من المهرجان (مركز البلدية الترفيهي ماعرف ليش نسميه المهرجان) شعرت أن الخريف بدأ يتحرش..كان الوقت يقارب منتصف الليل..كنت مرهق جداً لكنه تَحَرُّش الرذاذ، فبدلاً من الذهاب إلى البيت قررت الاتجاه إلى الجبل.. وصلت إلى إحدى البقع الخالية من الأشجار والصخور.. أوقفت سيارتي على بعد متر واحد من الشارع.. رميت "نعالي" خارج السيارة وهِمْتُ على وجهي كالمجنون.. أتممت ساعة كاملة أمشي حافي القدمين وحاسر الرأس.. كنت أريد أن أبتلّ بالكامل.. كانت السماء كريمة جداً وكنت في قمة البهجة والشاعرية والجنون..ابتللت.. أحسست أن الخريف كل الخريف لي وأن كل قطرة قد بعثتها السماء لي وحدي.. اندمجت مع المكان وأحسست أن العالم من حولي عبارة عن رذاذ لطيف.. هنا السماء تمطر محبة.. أحببت العالم كما لم أحبه من قبل وأحببت الحياة بطريقة رذاذية صافية .. تصالحت مع كل شيء.. تذكرت عبارة قرأتها في كتاب رائع تقول" هناك لحظات نشعر فيها أننا متصالحون مع العالم".. نعم كانت تلك هي لحظاتي الأكثر تصالحية مع ما حولي .. أحسست أن علي أن أرقص رقصة زوربا اليوناني.. كانت لحظات صفاء لا يمكن التعبير عنها إلا بتلك الرقصة.


بعد أن شبعت قدماي من المشي والحوار مع التربة المبللة رجعت إلى الموقع الذي تركت فيه السيارة .. جلست على الأرض المبللة.. لا أريد ترك المكان.. كانت رائحة التربة تملأ المكان..وكانت لحظات الصفاء والتصالح مع الكون مسيطرة..اغمضت عينيّ واستسلمت لهمس الرذاذ كطفل غلبه النوم بعد أن أعياه اللعب طوال النهار... فجأة مرت سيارة عابرة بقربي أفسدت علي خلوتي.. نظرت إلى شاشة الهاتف فإذا بالساعة تناهز الثالثة صباحاً.. قلت في نفسي "ويحوووه" راح دوام بكره :).. دورت على نعالي، ركبت السيارة وعدت أدراجي حاملاً معي ما حَمَلَتْه ملابسي وشَعَري من الرذاذ وما التصق بقدميّ من تراب.. كان ذلك بداية وقع قطر الخريف علي.. الله يستر من الجاي وكل عام والجميع "مخرف".

عيناك مثل الليلة الماطرة .. مراكبي غارقة فيها ... (نزار)

هناك 8 تعليقات:

  1. لا اعرف لماذا عندما يذكر احد زوربا يذهب فكري مباشرة لانتوني كوين!! مع ان الرواية تحمل افكار عميقة الواجب تذكرها اكثر من ربطها بالممثل... وقد ادرجت انت الصورة لتعزيز هذا هههههههههههه....

    (الحين اصحاب التنمية البشرية بيحللون)

    هل احسدك على لحظتك تلك! (عمانية!) نعم احسدك اتمنى ان اجلس تحت المطر وامشي حافية القدمين (دون الخوف مما قد ادوس عليه او من ديدان التراب), عالعموم خلينا من الحسد! هل هذه التدوينة من الهام تلك الليلة! وهل الالهام يأتي من الداخل او ن البيئة المحيطة بالكاتب؟؟؟؟؟؟؟

    كتابتي منسية فيها ... إن المرايا ما لها ذاكره (نزار)

    تحياتي لك
    اماسي

    ردحذف
  2. مرحبا أماسي
    **أنتوني كوين الله يرحمه كان مبدع والرواية رائعة جداً.. وعشان أكون صريح لم أشاهد الفيلم كامل فقط شفت مقاطع ومنها الرقصة الشهيرة..
    **من ناحية الحسد بصراحة أشجعك تحسديني لأني حسدت نفسي في اليوم التالي بعد أن تغير الوضع..
    **أعتقد أن الإلهام دائما خارجي ولكن الإبداع لا بد أن يكون داخلي نابع من المُلهَم بحيث يستطيع ترجمة الإلهام إلى شيء مفهوم لدى المتلقي..
    ** شكرا لخربشاتك الطيبة :)

    ردحذف
  3. "أحببت الحياة بطريقة رذاذية صافية"...

    واو. أنا لم اتصالح مع الدنيا

    ردحذف
  4. نادية
    في حاجة اسمها amor fati
    لا تغرقي في الماضي أو تنشغلي بالمستقبل... ليش؟ لان الماضي انتهى والمستقبل لم يأت بعد لهذا لا تدعيهما يفسدان عليك الحاضر فالحاضر هو الحقيقة او الواقع الذي يمكن أن تفسده آلام الماضي أو الخوف من الآتي. استمتعي بحاضرك وتصالحي مع الدنيا والقدر الذي هو ال present كما يرى فريدريك نيتشه.

    ردحذف
  5. تخدير فلسفي نيتشوي :)

    ردحذف
  6. ما حد شافك ؟ :))




    و أنت طيب و "أخرف" :P

    ردحذف
  7. مافي
    كنت في عالم ثاني، مخرف بامتياز :)



    خرف الله أوقاتك :)

    ردحذف

للتواصل راسلني على: hesheandme@gmail.com