كنت في سيارتي قبل عدة أشهر استمع إلى أغنية عشتار للفنان (العماني المتأمرت) الوسمي من إذاعة الشباب (أكثر بكثير من مجرد أثير)وقد راعني ما فيها من كلمات ثقيلة تصف جمال المحبوبة.. لا يحضرني الآن صاحب الكلمات.. ولكنني لا أكن له أي احترام في هذه الأغنية.. فهو يشعرني بسطحية ثقافية وفقر شعري وحشو وعدم ارتباط بين الأبيات (استفدنا من شارع المليون) بالرغم من أنني لست من فئة الشعراء ولا النقاد إلا أنني أعي إلى حد مقبول ما اسمع وأقرأ وأحسب نفسي وصلت إلى مرحلة أقدر أن أغربل فيها ما أسمع.. المهم مرت الأيام ونسيت الأغنية..
بعد أقل من شهر فتحت على إحدى القنوات الشعرية(قنوات الشحاتين والمنافقين والمجد الفارغ.. وبعض الشعر) وسمعت قصيدة من أحد الشعراء جمع فيها تاريخ وأسماء كبيرة جداً ولكنها في الأخير تحمل نفس الفكرة أي أنها تشعرني للوهلة الأولى أن هذا الإنسان مثقف ومطّلع بشكل يخجلني كمشاهد ويخجل كل حضور الأمسية أمامه... لكن ما شي منه!!
المهم مرت الأيام وأيضاً نسيت الموضوع برمته إلى أن التقيت(أنا وشلتي شلة البجز) أمس بأحد الشعراء المحليين وأحد كتاب الأغنية في عُمان بشقيها العاطفي والوطني.. لم افتح الموضوع لأنني نسيته في الأصل ولكن لحسن الحظ أن زميلي الدائم في الطاولة كان يناقش الشاعر بشيء من السخرية المبطنة التي لا يفهما أحد إلا فريقنا الأساسي(البجز).. المهم تفرعت من ذلك النقاش نقاشات وكانت النتيجة أن أحد البجز تطرق إلى موضوع أيقظ عقلي الباطن ليسترجع موضوع أغنية عشتار.. قال البج: هناك كلمات عاهرات يستخدمها الشعراء!!.. قلت له تعوذ من إبليس يا رجل فإن "على المائدة شاعر".. وتابعت..ولكنني لم أفهمك! ماذا تقصد ثكلتك أمك؟ قال شوف يامحفيف هناك كلمات متواجدة بشكل دائم على قارعة الطريق كبائعات الهوى المنتشرات في السكك آخر الليل(كما في الروايات والأفلام). تلك العاهرات يتردد عليهن أكثر من زانٍ.. قلت مباشرة لكن عشتار ليست عاهرة.. قال لقد أصبحت عشتار عاهرة يا بني وقد زنا بها الكثير من الشعراء ومدّعيي الشعر!! قلت هذا كلام كبير يا فتى؟ قال هذه الحقيقة المرة، فبعض الكلمات والأسماء أصبحت "ملطشة" يستخدمها كل من هب ودب في مكانها وفي غير مكانها لعمل ما يعرف بالصدمة الدعائية لتلميع الذات!!.. وهي أي الكلمات موجودة على الرصيف للمبدع ولغيره.. ولكن الفرق أن المبدعون الحقيقيون يبحثون عن الصورة الجميلة التي تحسسك أنك تسمع الكلمة من خلالها لأول مرة رغم مرورها عليك كل يوم.. قلت نعم نعم لقد أبهرتني أيها البج العظيم.. لعمري إنك لفتىً ثاقب البصيرة.. إيش تغديت اليوم؟!..فضحك حتى فحص برجليه الأرض محدثاً هزة خفيفة للطاولة البلاستيكية التي تحمل على ظهرها عدة جلاسات من الشاهي الأحمر المنعنع وقال: معجين مطبوخ بالطريقة الآشورية الشركسية مع رز بسمتي باكستاني وقطميم محلي.
أحببت القصة وأبيت إلا أن أطرحها عليكم هنا مذيلة بقصيدة عشتار.. فهل تلاحظون هذا الكم الهائل من الحشو في القصائد التي تقرأون كل يوم وغيرها من الأعمال الأدبية والأعمدة اليومية في الجرائد؟!
إليكم قصيدة عشتار التي غناها الوسمي:
خذت من عشتارك السحري ... و من حدائق بابل الجـــوري
فيك نقش الســومري يغـــري ... وازدهار العهـد الآشـــــوري
حرت بين اغصـونك الخضـر ... وانت كأنك واحـة ازهـــوري
بوجناتك ورد سـوقــــــطــري ... و ف شفاتك توت لاهـــوري
لا ذهـــب لا ماس لا تــــبري ... لولوي من جــــــنة الحـوري
ذقت في القيـــــمر البصــري ... واحتسيت الســكر الصــوري
شادني اعفــــر غنج خفـري ... احضري حسـنك اسطــــوري
فيك هيبة لطلسي الصـخري ... وانسجام الســـــاحل السوري
رمش عينك للاســر وكــري ... من زمن تغلب و كــــافوري
برمجت الذاكـرة حصــري ... لين هام ابحبك اشــــعـوري
المصدرملاحظة: أعتذر للجميع عن استخدام كلمتي عاهرات وزان.. وجهة نظر شخصية جداً.. والبجز هو اسم الشلة الوهمي