طبعا الدور الذي أقصده هنا ليس الدور الإنقلابي كما يحصل الآن في سوريا أو كما حصل في البلدان التي سبقت سوريا وإنما الدور الكاشف للعيوب والأخطاء والتجاوزات من أجل التصحيح وتقويم الإعوجاج والحفاظ على المال العام وليس من أجل الفضح فقط.. الدور الذي يعمل من أجل "قلب" بعض الأفراد الذين يستغلون مناصبهم سواء بغباء أو بخبث من أجل التكسب الفردي دون النظر إلى المصلحة الوطنية ودفع الحكومة إلى معاقبتهم بما يتناسب مع الجرم ليكونوا عبرة لغيرهم..الدور الذي يعمل من أجل "قلب" القوانين التي لا تتناسب مع المرحلة ومستوى الوعي المجمل للمواطن وتبصير الحكومة بضرورة تغييرها بأخرى تتناسب والعصر..الدور الذي يعمل من أجل "قلب" العقليات المتخلفة المتنفذة التي لا تزال تتعامل مع المواطن على أنه ساذج وجاهل وإجبار الحكومة (بطريقة حلوة :))على البحث عن عقليات جديدة ذات نظرة أبعد..الدور الذي يعمل من أجل تبصير المواطن بحقه في الحرية والعيش الكريم وكذلك تبصيره بواجبه ومسؤوليته تجاه نفسه ووطنه... الدور الذي يحول المواطن من مجرد متلقي إلى مواطن مساهم.
لا شك أن هناك تغيير ملاحظ في الاعلام بشكل عام والتلفزيون بشكل خاص مقارنة بالوضع قبل سنة من الآن. حيث أن الضغط الذي ولده الحراك الشعبي العام الفائت على الحكومة قد فرض عليها تغييراً شاملاً في آلية التفكير وهذا بدوره حتم تغيير السلوك الإعلامي الحكومي الأمر الذي دفع بتغييرات لم تكن متوقعة بل فاجأت الجميع. وعلى الرغم من أن التجربة لا تزال مبكرة وأن التغيير الحقيقي لم يستقر بعد إلا أن البوادر توحي بأن المرحلة القادمة سيكون للإعلام دور بارز فيها فيما يخص مراقبة الأداء الحكومي وتقويمه وكذلك سيتم إشراك المواطن بشكل أكبر في النقاشات التي تخص حياته اليومية ومشكلاته.
ما مدى قوة المراقبة الاعلامية التي ستكون على الأداء الحكومي؟! هذا ما لا أستطيع الاجابة عليه حتى تنضج تجربة التحول التي يعيشها الاعلام العماني. لكني على يقين من أن هذه التجربة بحاجة إلى مساعدة من قبل الجميع من خلال التفاعل المباشر وغير المباشر وخاصة مما يسمى بـ"الاعلام البديل".. كيف؟!!
أولاً يمكن المساعدة من خلال طرح الأفكار الخلاقة والنصائح وتشجيع الأعمال الناجحة وكذلك النقد الموضوعي البناء لما يطرح. شخصياً أرى أن التقييم المستمر للبرامج ومقارنتها بنفسها وبغيرها سيولد نوع من التحدي الدافع إلى الأداء الأفضل والاختيار الأنسب. كما أن الأهم من كل هذا أن يتحرى الاعلام الافتراضي( البديل) الدقة والسبق من أجل خلق منافسة حقيقية مع الاعلام الواقعي. عندما يشعر الاعلام الواقعي بقوة ومصداقية الإعلام الافتراضي (البديل) فإنه لا شك سيشمر عن ساعديه وسيندفع بقوة للغوص في أعماق الواقع وسيجد القائمون علية الحجة للخوض أكثر فيما يرضي طموح المواطن الذي أصبح يستطيع الحكم على المنتج بمقارنته مع الخيارات والبدائل المتوفرة.
هذه المنافسة من الاعلام الافتراضي(البديل) للإعلام الواقعي ستفتح آفاق جديدة لإعلاميين وإعلاميات جدد ذوي أفكار ورؤى وعقليات جديدة وخلاقة تعمل على ابتكار برامج برؤى غير تقليدية تهتم وتعنى وتحترم المشاهد.
لا يزال الإعلام "النتي"(البديل) هو الأقوى في السبق وتناول ما يخص المواطن من مشاكل رغم عدم إيجاده الحلول الناجعة لتلك المشاكل ورغم سذاجة أغلبه. ولا يزال هذا الاعلام(البديل) هو الصوت المعارض الكاشف للإخفاقات الحكومية وإن كان بطريقة غير احترافية لكنني على يقين أن الكرة الآن في ملعب الاعلام الواقعي من أجل سحب البساط من تحت أقدام الإعلام النتي بكل سهولة ويسر.. والبوادر تشير أن البساط بدأ يتحرك.