سلوكيات في ظفار أتمنى أن تزول..
هل نحن بحاجة إلى خطة استراتيجية لتحسين سلوك الأفراد وتغيير بعض العادات السيئة من أجل أن تتغير الأمة إلى الأفضل؟... الإجابة باختصار شديد: نعم نحن بحاجة إلى تكثيف في هذا الجانب. وكما قال عادل إمام الأمر محتاج "شغل بعد الظهر" أي أن العمل بالطريقة المعتادة لحل هذه المعضلة ما راح يعالجها وعلى من تعنيه المشكلة ولديه إحساس بها أن لا يستكثر عليها الوقت. الحكومة مشغولة بأشياء كثيرة والإعلام في مرحلة التغيير والمواطن أصبح شريك إلى حد كبير وإن لم يكن شريكاً بشكل واضح فالظروف قد تهيأت له كي ينطلق لخدمة مجتمعه.
أعتقد أن هناك أسباب كثيرة لتخلف مجتمعاتنا ولكن السلوكيات السيئة المترسخة فيها أي في المجتمعات، هي التي تساعد على بقاء المشكلة وإطالة عمرها.. مجتمعاتنا العربية متشابهة المشاكل ومجتمعنا العماني جزء من هذه المجتمعات المشبعة بطبقات من السلوكيات الضاربة في جذور الزمن والتي نحسبها جميلة وهي تساهم في منعنا من التقدم نحو الحياة الحديثة. في ظفار لدينا "بلاوينا" الخاصة بالتأكيد ولكن مواجهتها قد لا يكون بالأمر اليسير خاصة إذا أحس المواطن بالهجوم.. هي ستتغير لا محالة ولكنها بدلا من القضاء عليها بشكل نهائي وسريع ستتشوه إلى أن تختفى بعد أن تكون قد استهلكت منا أجيال كثيرة.
صراحة لا أدري من أين أبدأ لأن الموضوع متشعب ""جداً وكلما فكرت في مشكلة، هطلت علي زخات من المشاكل المتفرعة من منخفض المشاكل المداري الجاثم على صدر المنطقة. لكني سألخص الموضوع بشكله العام على هيئة نقاط فبعد نقاش متواصل مع أكثر من شخص للسلوكيات السيئة التي يتمنون زوالها من المجتمع في ظفار خاصة(بالطبع السلوكيات التي رصدتها قد تكون موجودة في كل بقاع عمان وغير عمان) سجلت السلوكيات الرئيسية التالية بدون تسلسل منطقي:
1. عدم احترام النظام في الأماكن الخدمية والبنوك وعلى الطريق. التزاحم وعدم الالتزام بالطابور ووجود أشخاص "مستعجلين" دائماً وكأن البقية ليس لديهم أعمال من أكثر الملاحظات التي ترفع الضغط في كل مكان خدمي في ظفار. هناك تحسن بسيط ولكن المشكلة لا تزال تتكرر. كذلك فإنه مع زيادة المركبات وضيق الشوارع وأثناء فترات الذروة تجد بعض السائقين يتجاوزون من اليمين كنوع من "الفهلوة" والاستعراض تؤدي إلى عمل اختناقات وتدفع بعض شبه الملتزمين بالقانون إلى ارتكاب نفس الخطأ نتيجة التأخير الغير مبرر الذي يتعرضون له بسبب تلك التصرفات الغير مسئولة.
2. عدم الإحساس بالمسئولية إلا فيما يخص الفرد ذاتياً.
3. عدم الالتزام بالدوام أو عدم احترام الدوام.
4.السهر في المقاهي إلى أوقات متأخرة على مدار الأسبوع. هذه الصفة تتنافى مع الانتاجية وتعطي مؤشر إلى أن المجتمع غير عملي أو ربما غير مكترث أو ربما يهرب من التزاماته في البيت. وقد يقترن هذا بعدم الإحساس بالمسئولية. كل ذلك يؤخر التقدم ويندرج تحت عدم احترام الوقت.
5.عدم احترام البيئة برمي المخلفات في الحارات ومن المركبات وفي الأماكن النائية وهذا أيضاً يندرج تحت عدم الإحساس بالمسئولية.
6. قلة القراءة أو غياب الكتاب عن الفرد بشكل شبه دائم. أي عدم السعي للمعرفة والعرف على أفكار وتجارب خارج إطار التجارب المتعارف عليها.
7.عدم وجود روح المبادرة.. وهي تندرج أيضاً تحت عدم الاحساس بالمسئولية تجاه المجتمع.
8.ترك حل المشاكل للحكومة وذلك يندرج تحت عدم المبادرة و كذلك ربما الموروث القبلي والحساسيات قد تمنع الفرد من المبادرة. بمعنى تجنب مشاكل أكبر أو الخوف من المدفون تحت الرماد.
9.التعصب القبلي. أكبر عائق أمام التمدن. هو الحبل الذي يشدنا للخلف دائما لأنه يكرس الفرقة ويعتمد على التمييز وعدم المساواة. هذا بدوره يخرج الفرد من هدفه العام وهو خدمة الجميع إلى هدف أضيق وهو خدمة الفئة أو القبيلة الأمر الذي يشغل الفرد في مشاكل هامشية تعيق مساهمته في خدمة وطنه.
10.البصق في الشارع وأمام الجميع (خاصة أصحاب السويكة والماوة).. هنا لا يفكر "الباصق" في نظافة الشارع ولا كيف أنه يؤثر على نفسية من يراه(سلوك مقزز للمتفرج) .. لا يهمه إلا شيء واحد وهو نظافة سيارته التي أراد أن ينقذها من "الزبالة" التي ينفثها في الشارع. الحل هنا سهل جداً –إن كان لا بد من التخزين- وهو وجود كيس نفايات في السيارة لهذا الغرض ولغيره. هذا السلوك السيئ يعطي مؤشر على الجهل وعدم الاحساس بالمسئولية تجاه الذوق العام.
11.عدم احترام المرافق العامة مثل دورات المياه العامة سواء في المواقع السياحية أو المساجد أو في أي موقع خدمي عام. . ما راح أتكلم هنا لأن الموضوع متعب للغاية والجميع يعرف أن لدينا مشكلة ولكن لا أحد يكلف نفسه عناء ضبط نفسه على الأقل.. محتاجين حملة مكثفة لكيفية استخدام دورات المياه العامة بشكل رحيم.
12.الواسطة؛ تعد الواسطة من أكبر الآفات المنتشرة في ثقافتنا في ظفار بشكل خاص وأعتقد أنها صفة عربية أصيلة. أرى أنها أم المشاكل ويرتبط بها الغش والمجاملة وغيرها من الصفات المنهكة لمحاولة التطور والتقدم. أعرف أنها مرتبطة بالقبلية أيضاً وأن الجميع يدرك تأثيرها ولكن عندما نحتاجها فإننا ننسى الجميع إلا أنفسنا.. هنا يشتغل هرمون الأنانية بقوة.
13.الغش في الإمتحانات. هذه الصفة أصبحت سائدة فهي منتشرة من الابتدائية إلى الجامعة وقد تجد بعض المدرسين متورطين فيها. الغش هنا يعني حصولك على ما لا تستحقه أي أنك قد تحرم إنسان من مقعد دراسي يستحقه. كذلك يعني أنك قد تعتمد طوال حياتك على أخذ مال وحق الغير. أي أنك خلية سرطانية في جسد الأمة. تخيلوا معي كم خلية سرطانية موجودة لدينا من هذا النوع؟ وتخيلو لو لم تكن لدينا أي خلية من هذا النوع، هل سنكون أفضل؟
14.التعليم من أجل الشهادة والوجاهة الاجتماعية ونتيجة لذلك تجد بعض أصحاب الشهادات العليا أقل معرفة من أصحاب الشهادات العامة ونتيجة لقلة رصيدهم المعرفي وتربعهم على أماكن مهمة تترهل المؤسسات التي يديرونها ويتأخر النمو والتطور ويتم هدر المال نتيجة الرؤية قصيرة المدى وربما عدم الرؤية وقس على ذلك.
15.النظر للمرأة نظرة دونية أو لنقل تعطيل دور المرأة وتحديد مسارها وتفصيل وتحديد سلوك ليس عليها الخروج من أُطُره. بسبب ذلك تجد وجود المرأة في المجتمع في بعض الأماكن فائض أو غير منتج ليس لشيء إلا لأنها أنثى أو كما يحلو للبعض قوله؛ مراعاة طبيعتها الأنثوية .
16.الإحساس بالتفوق العرقي. كل فرد يرى أنه ينحدر من أصل ذهبي وهذا بدوره يعطل الفرد عن النظر إلى المستقبل والتطوير الذاتي بل يظل ماشياً ورأسه إلى الخلف يعدد إنجازات جدوده دون أن يكلف نفسه عناء تطوير ذاته وبناء مجد لأبنائه وأحفاده.
17.الاعتماد على الأجنبي في كل شي؛ في البيت والمتجر والمزرعة والإبل والبقر والغنم والمسجد والمقبرة.. إلخ.
18.احتقار العمل اليدوي أو نوع معين من الأعمال.
19.الأنانية والجشع؛ قد يبدو هذا غير منصف ولكن الملاحظ أن الأنانية تلعب دور كبير في حياتنا وعندنا الاستعداد لقبول الهبات الحكومية حتى وإن كانت على حساب أهلنا وذوينا ووطننا ومستقبل أجياله.
20.الجميع يريد أن يعيش في مستوى الغني فلا تجد فرق في الأعراس أو النفقات أو اللباس والإكسسوارات وهذا بدوره يثقل كاهل الفرد الأمر الذي يحجم آلية تفكيره ويقضي على الإبداع لديه بل ربما يدفعه إلى اللجوء لطرق غير شرعية للتكسب.
هناك مفردات كثيرة يمكن أن تخطر على بالنا عندما نتطرق إلى السلوك السيء وقد تعطينا كلمة ما انطباع على أن السلوك السيئ ناتج عن أكثر من مصدر.هناك سلوك سيء ناتج عن خلفيات ثقافية عربية وهناك سلوكيات ناتجة عن فهم معين للدين وبعضها مرتبط بأحاديث قد لا تكون صحيحة.
النسب والعرق والتعصب والانتماء القبلي هي من الموروث العربي الخالص ولعل ممارساتنا اليومية وتفسيرنا لسلوك بعضنا البعض لعل ذلك خير دليل على ترسخ الواسطة والمحاباة والتمييز في معاملاتنا وهباتنا وهذا بدوره يضع الأشياء في غير مواضعها أي أن ذلك يشجع انتشار الفساد ويكرسه. النتيجة دائما هي وجود أشخاص غير مؤهلين في أماكن لا تتوافق مع إمكانياتهم المعرفية والمهارية وذلك يؤدي بالطبع إلى هدر المال العام والعقول الواعدة وتأخير التطور.
الجانب الديني ما راح أخوض في السلوكيات السيئة المرتبطة فيه لأن الموضوعحساس ويحتاج الدقة المتناهية.
***
عندما أتحدث عن السلوك السيئ لا أعني أنه السلوك السائد بل هو سلوك شاذ يرتكبه البعض عن جهل ويؤمن به البعض بسبب العادة وعدم الإنكار من المجتمع المحيط. عدم إنكاره بشكل علني وعدم مناقشته جعله جزء من الثقافة العامة.
أعتقد أن جزء من المشكلة متعلق بالتعريفات؛ فمثلاً الغش ككلمة تُعتبر منبوذة مجتمعياً ودينياً ولكنها عندما تتعلق بمصلحة فردية لطالب في المدرسة أو الجامعة لا يستنكرها المجتمع بل قد يشعر الغاش بأنه مبدع وقد يتفاخر بذلك أمام أهله دون أن ينكروا عليه فعلته أو يوبخوه. سلوك الغش في الإمتحانات هو أحد السلوك الرئيسية التي إن اقتنع الجميع من "دواخلهم " بتركها فإن ذلك يعني بأن الاعتماد على الذات والتحدي الداخلي معها قد أصبح قناعة فردية وجماعية وبالتالي ثقافة عامة وعندما تصبح كذلك فإن النتيجة الإيجابية ستكون على كل الأصعدة. الامتناع عن الغش الدراسي بالذات عن قناعة يعتبر مؤشر على جاهزية الفرد لتحمل المسئولية.
***
عندما يحس الفرد بأن عليه مسئولية تجاه مجتمعه ويقرن ذلك بالمبادرة تجاه المجتمع فإنه ينقل نفسه من الإنسان "الرقم" الذي لن يحس بوجوده أو بغيابه أحد، إلى الإنسان "المهم" الذي سيؤثر غيابه على محيطه. ولعل المسئولية والمبادرة هما من أهم ميزات الفرد في المجتمعات المتقدمة على الرغم من وجود هيئات وجمعيات ومنظمات مجتمع مدني في تلك المجتمعات تضطلع بالكثير من المبادرات والأعمال العامة.
لم يتم خلق تلك الصفات الحميدة(المبادرة والمسئولية) من العدم ولم تأتِ بإلهام من السماء ولكنها تشكلت نتيجة لسعي الإنسان في تلك المجتمعات إلى تحسين نمط حياته وحياة مجتمعه. يولد الإنسان في تلك المجتمعات بالطريقة التي نولد بها ويتنفس نفس نوع الهواء الذي نتنفسه(هو عمل الحدائق لتنقية الهواء ونحن نتسلى بالغبار ونعطس منه ثم نلعن الطين والريح) ولكن الفرق أنه تعلم من أبيه وأمه ومدرسته ومحيطه أنه مشترك مع الجميع في الهواء والماء والتراب وعليه أن يحافظ على كل تلك العناصر المهمة لكي يعيش حياته بسلام، كما أن عليه أن يحب الجميع من أجل نفس الغرض. من هذا المنطلق وبسبب التعليم المنطقي الذي نشأ عليه ترسخت عنده المبادرة والمسئولية تجاه محيطه أينما حل وسكن سواء في وطنه أو في وطن آخر غير وطنه. تعلم أن عليه أن يحب أي بقعة يتجه إليها أو يزورها أو يسكن فيها ليس لكي يدخل الجنة في حياة أخرى بل لكي يعيش حياته في جنة؛ جنة رضاه عن ذاته.
عملية الانتماء إلى الجمعيات وهيئات ومنظمات المجتمع المدني هي من صلب المبادرة والمسئولية تجاه المجتمع والوطن والإنسانية. ولعل هذا هو ما يجب أن نتحرك جميعا من أجله لكي يتم خلق سلوك جديد منظم وغير مكلف يخدم المجتمع ويرفع الحرج عن الإخفاق الحكومي في بعض المجالات التي أقحمت نفسها فيها مع عدم اختيار الأفراد المؤمنين بالعمل الخدمي من تلقاء أنفسهم من ناحية وعدم وجود استراتيجية ومنهجية واضحة في هذا الشأن.
في الجمعيات العامة المعنية بخدمة المجتمع يتجمع المتطوعون للمجالات الخدمية التي يرون أنهم قادرين على الإضافة فيها ويعملون دون ضغط من أحد من أجل إرضاء ضمائرهم أولاً وحباً منهم للمجتمع وخدمته. عندما يزيد عدد المتطوعين للعمل الأهلي فإن ذلك مؤشر على أن المجتمع أصبح ينتج عقاراً يحافظ به على صحته ويطيل به عمره.
****
ما أود طرحه هنا مرتبط بكشف السلوكيات الخاطئة المؤثرة في حياتنا العامة والتي أراها معيقة للتنمية والتقدم وأتمنى أن يتم القضاء عليها في المستقبل.. قد يتم تفسير هذا الطرح بأنه تعرية للمجتمع أو استهداف غير مبرر له ولكني أرى أن تسليط الضوء على المشاكل ومكامن الخلل هي الخطوة الأولى وبداية الحل. ما لم نعترف بعيوبنا ومشاكلنا وما لم نقم بمواجهتها ومحاولة حلها بأنفسنا دون خجل فإننا لن نخطو للأمام وسنظل "محلك سر". أتمنى ممن يقرأ هذه التدوينة ألا يفسرها في غير الصالح العام وأن يناقش نقاش موضوعي وهادف لما فيه الصالح العام.
وأشكر كل من كان له دور في هذه التدوينة سواء بالنقاش المباشر أو الغير مباشر دون ذكر أسماء