تعاني المنطقة العربية معاناة ما بعدها معاناة من شح المياه لوقوعها ضمن المناطق الجافة التي يقل فيها معدل هطول الأمطار عن أي مناطق أخرى مأهولة على مستوى الكوكب. ونتيجة لذلك تنتشر محطات التحلية انتشار واسع على شواطئ الدول العربية وخاصة في الجزيرة العربية وتحديداً دول الخليج. وعلى الرغم من خطورة الوضع إلا أن السلوك الاستهلاكي للمياه في هذه المنطقة الجافة لم يصل بعد إلى مستوى المسئولية سواء من الأفراد أم من الحكومات. فالثقافة العامة للمواطنين والجهات الحكومية لا تزال متطابقة.
وفي هذا السياق سأتطرق إلى موضوع الوضوء وعلاقته باستهلاك المياه، واللامبالاة من قبلنا تجاه إيجاد حلول جادة لهذه القضية. فكما يعلم الجميع أن المساجد منتشرة في كل حدب وصوب وأن الحارات تكاد تكون مكتظة بها ومع ذلك تعاني هذه المساجد من الاستخدام السيئ للمياه من قبل المرتادين وهم بالطبع المصلون.
لدينا مشكلة كبيرة جداً فيما هو مجاني. وبما أن مياه المساجد مجانية فإن تبذيرنا لها لا نعتبره تبذير بل نعتبره تقرباً إلى الله. طبعاً ليس الأمر بهذا السوء من ناحية النوايا ولكن المشكلة هي عدم وجود ثقافة ترشيد الاستهلاك تجاه كل شيء وخاصة المياه التي تعتبر عصب حياتنا وأكثر شيء يتهددنا بينما نقوم بإهدارها حتى في التقرب إلى الله.
إذا ذهبت لأي مسجد ستجد أعداد كبيرة من الصنابير غير محكمة الإغلاق، كذلك ستجد طفلاً أو مجموعة أطفال -لا يعون أهمية المياه - في المواضئ يفتحون الصنابير على آخرها ويلعبون بالمياه كلما سنحت لهم الفرصة. وفي بعض الأحيان ستجد بعض المتوضين في حوار جميل بينما الصنابير مفتوحة والمياه تجري محدثة خلفية صوتية رائعة للحديث!!. كل ذلك يحدث.
على الرغم من تشاؤمي إلا أن هناك في الجانب الآخر أناس على عكس هذه النماذج أي مهتمون بالمياه وواعون لأهميتها وندرتها. ونتيجة لذلك فإن سلوكهم يوحي بأنهم على قدر عال من المسئولية. وأكثر ما لفت انتباهي في أكثر من مناسبة أن كبار السن هم أكثر حرصاً منا الشباب على المياه. ربما لأنهم أصحاب تجربه في هذا الشأن فقد ذاقوا طعم شحها أيام شبابهم.
في رمضان يكثر مرتادو المساجد وبالتالي يكثر المتوضون والنتيجة النهائية استهلاك غير عادي للمياه مع غياب التوعية. هذه المياه المهدرة هي مال عام وللجميع وهي لنا وللأجيال القادمة وليس من حق أحد منا أن يتصرف بها بهذا السوء ويحرم الآخرين منها.
لحل هذه المعضلة لا بد من التوعية بطريقة جميلة ومنطقية دون توبيخ أو تحقير للمسرف أن ذلك سيطال الغالبية العظمى من مجتمعاتنا.هناك أحاديث نبوية رويت عن النبي تحث على الترشيد في الاستهلاك وخاصة استهلاك المياه. فقد روى عبداللّه بن عمر، ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مر بسعد بن أبي وقاص، وهو يتوضأ، فقال: ما هذا الاسراف؟ قال سعد: أفى الوضوء اسراف؟ فقال النبي: نعم، وان كنت على نهر جار».
مع كل هذا فإن الهدر المائي على مستوى العالم العربي والاسلامي لم توضع له حلول على أرض الواقع، على الرغم من أنه مكلف مادياً واستراتيجياً. فعلى سبيل المثال أثناء الحج يستخدم مليونا مسلم ما لا يقل عن 50 مليون لتر من المياه يوميا للوضوء فقط . وقد ذكرت ذلك شركة ماليزية ابتكرت جهاز للمساعدة في التقليل من الاستهلاك المفرط للمياه أثناء الوضوء. هذا الجهاز غير مطروح في الاسواق بعد وإن حصل وتم طرحه فإنه سيكون مكلفاً للغاية( 3 إلى 4 آلاف دولار).
مما لاحظت من اهدار فإني أرى أن هناك حل بسيط -وليس هو الحل الوحيد- لموضوع الإهدار وخاصة في المساجد. الحل هو أن يتم الدخول إلى المواضيء مقابل مبالغ رمزية، بحيث يتم استخدام هذه المبالغ في صيانة المساجد وقد يتم تقديمها لهيئة الأعمال الخيرية. وكذلك هي رسالة ودعوم من المسجد لعامة الناس إلى أهمية المياه وهذا بدوره سيؤدي إلى عمل نوع من الصدمة التي سيفيق منها كل مهدر للمياه. لن يكون ذلك حل نهائي ولكنه سيؤدي إلى التنبيه إلى أن هناك تكاليف لا نحس بها ويجب أن ننتبه لها. أتوقع أن ذلك سيكون له وقع على عامة الناس.
ليس لدي تصور لآلية التطبيق(تطبيق الرسوم في مواضيء المساجد) لأن الفكرة أتتني مباغتة. فأرجو ممن يقرأ هنا أن يقترح معي ما هي الحلول لهذه المشكلة؛ مشكلة استهلاك المسلمين للمياه بطريقة مفرطة.
.
الصورة للجهاز الذي ابتكرته شركة AACE الماليزية
.