أخبار كثيرة تدور حالياً في فضائنا والفضاء المحيط بنا. لعل أهمها الزلزال التونسي وتوابعه. فقد انتفض بعض عرب أفريقيا على ولاة أمرهم وأطاحوا بإله واحد على الأقل وأردوا الثاني جريحاً إلى الآن. فلا يزال كبيرهم يترنح على أرض الكنانة بعد أن فقد حصانه وحاشيته وانكسر سيفه. لا يوجد أمل في بقاء مبارك في السلطة إلا بدعم مباشر من شرطي العالم.
في الجانب الآخر من بلاد العرب حصل أول استشعار حكومي واستباق لما قد يحصل من هزات ارتدادية لزلزال أفريقيا المرعب. فتم -اليوم رسميا- الإعلان عن شبكة التجسس الإماراتية في عمان بعد عدة أشهر من التحريض و التحليل والتأويل والتكذيب والتشكيك..إلخ.
الذين يبحثون عن ما وراء الحدث سيتسألوا عن سبب توقيت إعلان الحكومة لهذا الخبر بشكل رسمي وعبر وكالة أنبائها علماً بأن الموضوع لم يعد خافياً على أحد. فقد تم تداوله بتسريب متعمد من الحكومة وتناقلته المنتديات حتى الثمالة. فهل أحس النظام العماني بخطر الحريق في أحواش بلاد العرب الأفريقية؟!
أعتقد أن هناك نوع من استغلال للحدث الراهن لضرب عصفورين بحجر واحد. فهناك خوف من تداعيات المظاهرات في مصر واليمن والأردن على الوضع في عمان وغير عمان. كما أن الإمارات قد لا تكون رضخت لما تريده عمان خلال الفترة الماضية. فقد تكون هناك مساومات قد جرت قبل هذا الإعلان لإزاحة محمد بن زايد وتجريده من بعض صلاحياته(عقابه) مقابل السكوت رسمياً عن القضية. اعتقادي أن الإمارات لم توافق أو ربما أن الشيخ خليفة لا يملك القوة الكافية لفعل ذلك، وهذا ما حدا بالعمانيين إلى إعلان ألأمر رسميا(مجرد تكهنات محفيفية).
فيما يخص تداعيات ما يحصل في مصر على وضعنا فإن الساسة هنا رأوا أنه من الضروري احتواء الشعب - الذي يئس من وضعه المعيشي ومن الفساد(وذلك سبب الثورة في تونس ومصر)- وشغله بقضية وطنية. رأوا أن قضية الخلية هي التي وحدت وشغلت العمانيين في الفترة القليلة الماضية. فقد كان توقيتها في غمرة احتفالات البلاد بالعيد الأربعين وكانت بمثابة الدمية التي يلتهي بها الطفل عن أمه إذا أرادت أن تتفرغ لعمل آخر في البيت أو خارجه. كانت خيبة أمل الشعب كبيرة فيما كان يتوقع أن يحمله هذا العيد من تباشير لتحسين وضعه المعيشي أسوة بالجيران النفطيين المحسوبين(نحن) عليهم. لكن رغم ذلك ظل الشباب منشغلاً في أحيان كثيرة في التفكير في هذه القضية بعيداً عن التركيز بشكل مباشر على الفساد والبطالة وغيرها من المشاكل التي لا تخفى على أحد. وهنا يمكن القول أن الجهات الأمنية نجحت إلى حد كبير في إلهاء الطفل.
اليوم يأتي دور الجزء الثاني من هذه القضية وهو الإعلان رسمياً، والذي يمكن أن يلهي الشباب عن الوضع في مصر وتونس لكي لا يقوم بحركة تبدأ شبه عفوية ومن بعدها تتطور وتكبر كما حصل في تونس ويحصل الآن في مصر. فالوضع في عمان يشبه الوضع في مصر ولكن بصورة مصغرة. هناك فساد؟ نعم.. هناك إقطاع؟ نعم. هناك تسمين قطط؟ نعم.. هناك عدم توزيع عادل للثروة؟ نعم.. هناك الشخص الخطأ في المكان الخطأ؟ نعم.. هناك تطبيل وتكبير لما لا يستحق التكبير؟ نعم.. هناك بطالة؟ نعم.. إذن الوضع متقارب.
هذا لا يعني أن مشكلة الخلية ليست مشكلة.. بالطبع هي قضية كبيرة ولكنها قد أخذت حقها ويجب أن نتجاوز هذه المرحلة ونتركها للقضاء وألا يتم استغلالها بهذه الطريقة الرخيصة.
نريد تجديد لآلية تعامل السلطة والجهات الأمنية مع الشعب. فرغم الثقة الكبيرة في شخص جلالة السلطان إلا أن الجميع بدأ يتذمر من الطريقة التي آل إليها الوضع العام. هذا يعني أن الحكومة شاخت وبحاجة إلى تجديد للدماء. نريد إصلاح حقيقي وحرية حقيقية قبل أن تصل الأوضاع إلى نقطة اللاعودة.
فالمستحيل قد يصبح ممكنا، وتحية لكل وطنيّ.