انتهت الإجازة ..كانت طويلة جداً(2+5+2=9 أيام).. تعودنا على الإجازات الطويلة. كانت أيضاً طويلة على سكان صلالة وسكان بعض المناطق في الجبل كالسكان في نيابتي غدو وطيطام(طريق إتين) والسكان المنتفعين من طريق دربات. ولا ننسى أنها كانت قصيرة على المنتفعين من السياح بشكل مباشر.
باختصار كان الأسبوع الفائت كابوس على سكان مدينة صلالة وفي نفس الوقت نعيم لمن يشتغل بالتجارة؛ المطاعم والمتاجر والشقق الفندقية والغير فندقية وحتى الباعة المتجولين وبائعي بطاقات الشحن. هناك مبالغ طائلة دخلت من منفذ حريط طوال الأسبوع الماضي ولم تخرج منه.
********
ربما لا يخفى على أحد الضجة التي أحدثتها الموجة العارمة من السياح الذين استغلوا إجازة عيد الفطر للذهاب إلى ظفار والاستمتاع بالأجواء الإستثنائة كما نردد دائما. تلك الموجة التي تذكرنا بقصة قوم يأجوج ومأجوج الذين تمر بدايتهم على بحيرة طبرية(كما تقول الروايات) وعندما يصل آخرهم لا يجد فيها قطرة ماء من كثرتهم. الضجة معلومة لمعظم العمانيين وخاصة "الفيسبوكيون" الذين لا تمر شاردة أو واردة إلا وعرفوا عنها.
عندما تدفق السياح على خط مسقط صلالة والإمارات صلالة لم تتنبأ محطات الوقود والقائمين عليها بأن الوضع سيكون بالسوء الذي حصل. نفدت كمية البنزين من المحطات في غضون ساعات وكثرت القصص والروايات عن المآسي التي واجهت السياح الذي انقطعت بهم السبل وكيف أنهم كانوا يدفون سياراتهم لمسافات وما إلى ذلك من أخبار.
عندما أدركت بعض المحطات المشكلة بدأت في تقنين عدد الليترات المخصصة لكل مركبة بحيث لا يتجاوز العشرين ليترا للواحدة وكانت خطوة جيدة، كما أن بعض المواطنين اضطروا لإنقاذ ذويهم بشراء كميات من البنزين ونقلها إلى مكان تواجد ذويهم العالقين في وسط الصحراء.
ما يهمني قوله هنا ليس المشكلة نفسها وإنما ما كشفته هذه المشكلة من مشاكل لابد من مواجهتها بطريقة جادة وواسعة بعيداً عن الترقيع الغير مجدي على المدى الطويل. لقد سلطت هذه المشكلة الضوء على مجموعة من القضايا ألخصها في التالي:
- لا توجد استراتيجية متكاملة للسياحة في عمان أي أن هناك اجتهادات أفراد غير متخصصين ولم يستعينوا بمتخصصين من أجل وضع خطة لعمل متكامل يتم فيه التركيز على البنية التحتية قبل الدعاية والإعلان. ما يجري الآن ستكون له آثار عكسية على السياحة في ظفار بشكل خاص وعمان بشكل عام. لا يكفي أن يكون عندك "خريف" لتطلب من السائح أن يأتي من أجل أن يعاني الأمرين من عدم وجود خدمات وعدم وجود مأوى.
- قلة الخدمات بشكل عام على خط مسقط صلالة وهذا ناتج عن غياب الاستراتيجية المتكاملة. هناك شح في الفنادق والمطاعم ودورات المياه ومحطات والقود وخدمات الهاتف الخلوي والمنشآت الصحية ومراكز الشرطة وغيرها.
- قلة محطات الوقود وهذا الأمر أيضاً مرتبط بغياب الاستراتيجية. قلة محطات الوقود تؤدي إلى كثرة الحوادث بسبب طولة المسافة بين أقرب محطتين. في حالة تعطل إحدى المحطات فإن إمكانية تكرار ما حصل واردة جداً، أي أن مشكلة نفاد كمية الوقود من المركبات أمر قد يتكرر في أي وقت بسبب قلة محطات الوقود على طول الطريق.
- لم ندرك بعد أن صلالة عبارة عن قرية صغيرة. الجهات الحكومية القائمة على التخطيط تتعامل مع صلالة على أنها مدينة كبيرة بينما لم تستطع هذه المدينة بلع 5000 سيارة إضافية. سبب تدفق السيارات إلى صلالة اختناقات مرورية قاتلة ولم نرَ أي حل مؤقت سوى تواجد الشرطة بشكل شبه دائم في الدوارات المكتظة بالسيارات.
- لابد من خلق مناطق استقطاب جديدة خارج صلالة، فالشوارع الحالية لن تكفي سكان صلالة وحدهم بعد خمس سنوات من الآن فما بالنا إذا زاد عدد السياح وبقت المدينة كما هي والشوارع كما هي وبقت مناطق الاستقطاب نفسها. بما أن طاقة قريبة جدا من صلالة فإن البدء في تأهيلها لاستقبال السياح أصبح أمرا لابد منه. هذا التأهيل لابد أن يكون في البنية التحتية وأن تراعى فيه الأخطاء التي ارتكبتها الجهات المعنية بتطوير المدن في مسقط وصلالة. لابد أيضا من تأهيل المخططات السكنية التي صرفتها وزارة الإسكان في عدونب وطاقة ومرباط للمواطنين. هذا التأهيل في البنية التحتية سيؤدي إلى خلق مناطق استقطاب جديدة تخفف الضغط عن صلالة.
- السماح ببناء عمارات في مناطق سكنية أو تجارية بدون وجود "مواقف كافية" عبارة عن كارثة على السكان وعلى السياح وعلى المتاجر. نلاحظ أن التدفق السياحي على صلالة في السنوات الماضية ضغط على الجهات الحكومية من أجل السماح ببناء أدوار إضافية في صلالة بشكل عام وهذا الأمر هو السبب الرئيسي لأزمة المرور التي تعانيها صلالة في هذا الموسم كما أن أزمة المواقف بدأت تتفاقم بسبب العمارات. الحلول "الترقيعية" دائما تخلق أزمات ونحن في عمان لدينا أكبر منهجية ترقيعية لحل الأزمات في المنطقة ولا فخر.
- حق المواطن والمقيم في الوصول إلى مكان سكناه أصبح مهدور. هناك من لايجد مواقف أمام بيته وهناك من لا يستطيع الوصول إلى المستشفى إلا بعد ساعات وهناك من لا يستطيع جلب نواقص واحتياجات بيته في حالة نفاد أي شئ إلا بعد وقت طويل. أين حق المواطن العادي والمقيم هنا؟ هل عليه أن يعاني فقط بسبب أخطاء تخطيطية؟
- هناك مزارع ومنشآت حكومية عسكرية ومدنية تحول دون حل مشكلة المرور في صلالة(شارع الرباط وشارع السلطان قابوس).لا توجد مخارج على الجانب الشمالي لشارع الرباط بينما توجد مجموعة دوارات على طول الطريق الأمر الذي يفاقم أزمة الاختناقات المرورية.
خلاصة القول أن السياحة أصبحت واقع لابد من التعامل معه بجدية بعيدا عن الترقيع والإرتجالية. لانزال في بداية الطريق وبالإمكان الاستفادة من أخطائنا إلى الآن لكن ليس بالطريقة القديمة. لا ينفع أن نصر على أن مدينة صلالة هي المكان الوحيد للسياح والمكان الوحيد الذي تتوافر فيه الفنادق والمكان الوحيد الذي تتوافر فيه العمارات وخدمات السياح. في حالة هذا الإصرار يجب أن نبني الدور الثاني لصلالة بأكملها وننتظر المشكلة بعد كذا سنة لنبني دور ثالث ورابع وهكذا!!!!.
همسة نزارية : كلماتي تلهث كالخيول على مرتفعاتك.. ومفرداتي لا تكفي لاجتياز مسافاتك الضوئية.