قررت أن أكتب بعد أن هدأت أعصابي علما بأن حالة الغليان الداخلي لا تزال نشطة لكنها أقل حدة من ذي قبل. فبعد أن فاجأتنا وكالة الأنباء العمانية بصور المتهمين بالإساءة بملابس السجن المهينة في نظري، فاجأنا تلفزيون سلطنة عمان بإذاعة خبر الدفعة الثانية من المتهمين والتي تضمنت إحدى بنات عمان. قام التلفزيون باذاعة الخبر مشفوعاً بصور المتهمين ومن ضمنهم الطالبة منى حاردان.
قبل أن أخوض في الحديث أود أن أوضح أن القضية هنا ليست الاحكام التي صدرت وإنما الطريقة المهينة المليئة بالتشفي التي تم بموجبها نشر صور المحكومين حتى قبل انتهاء القضية انتهاء كاملا أي قبل الاستئناف. القضية الأخرى هي الأثر العكسي للتشهيرالذي لم تحسب الحكومة له أي حساب وهو ردة الفعل الغاضبة من استخدام وسائل الاعلام المحلية للتشهير بمواطنين قد اعتذر بعضهم حتى قبل القبض عليهم.
شخصيا أصف الوضع بالمقلق لأن أجهزة الدولة الأمنية أصبحت تتدخل في عمل وزارات "مدنية" حسب ما يبدو. لا أستطيع أستيعاب أن يكون د. عبدالمنعم الحسني هو من أمر بنشر الصور.. فما الذي ستضيفه الصور؟!!. أحس بالاحراج الشديد الذي وقع فيه وزير الاعلام، فهو نتاج لأحداث فبراير من العام الفائت.. هو من الدماء الشابة التي نادى بها المعتصمون لتبعث الحياة في الجسد الهرم للحكومة.. هو مع الدكتور عبدالله الحراصي الشخصيتان المتزنتان اللتان يعول عليهما الشباب الكثير في مستقبل الاعلام العماني. الآن تم وضعهما في فوهة الاحداث لكي ينقلب عليهما من عول عليهما في التغيير. نحن في الأخير نعرف أن وكالة الأنباء تابعة لوزارة الإعلام ولا يمكن أن نلقي باللوم على وزارة الصحة أو المكتب السلطاني حتى وإن كانا -فرضاً- خلف النشر، لهذا لا نستطيع لوم وزارة الصحة بل سنلوم وزارة الاعلام ووزيرها تحديدا.
إن ما حصل قد يكون أقوى من الوزيرين كون الأمر يتعلق بجلالة السلطان لكني مصر على أن نشر الصور بتلك الطريقة يعتبر خطأ لا يمكن تبريره فلم نصل بعد إلى هذا الحد الذي يستوجب ما حصل. الذي حصل "خطأ" لأن الصور تخص مواطنين لم يخونوا البلاد ولم يسرقوا المال العام ولم يتعاونوا مع قوى خارجية أو دول أجنبية. قد لا نتفق مع ما كتبوه لكن في نفس الوقت لا نقبل أن يتم التشهير بهم بهذه الطريقة المهينة التهديدية في مضمونها لبقية المواطنين. و"خطأ" لأنه قسّم المواطنين إلى مع وضد وذلك له تداعيات خطيرة. و"خطأ" لأنه وضع بعض المواطنين(المشهر بهم) في طريق اللاعودة. ماذا عساي أن أفعل بعد أن يتم التشهير بي بهذه الطريقة؟!! بالتأكيد سيظل الحقد مصاحبا لي وإلى الأبد على الأجهزة التي شهرت بي وعلى من باسمه تم التشهير بي.. نعم قد يحصل عفو وقد يعتذر البعض لكنه سيظل اعتذار لاعتبارات أسرية أو خوف أو أي شيء آخر بينما سيظل الجرح حاضرا.
عندما كان هؤلاء يكتبون في النت لم يكونوا معروفين على مستوى عمان ولم يكن ما يكتبونه معروفا على نطاق واسع ولكن بعد القبض عليهم وسجنهم ومحاكمتهم ونشر صورهم أصبح ما قالوه معلوماً وأصبحوا شخصيات عامة وأبطال في نظر البعض. بعد أن كان الجميع ينظر للسلطان على أنه فوق ما يجري، جرّه الادعاء العام بغباء إلى الساحة وأصبح مادة يتم تداولها بطرق شتى لا تليق بمقامه. وبعد أن صدر الحكم أصبح "رأس هؤلاء الشباب برأس السلطان" مما يعني أن الجميع سيتعاطف معهم.. لماذا؟ لأن السلطان لديه كل شيء وهم لا يملكون إلا أفكارهم التي يطرحونها في النت.. نعم لقد أساء الادعاء العام إلى السلطان بطريقة غير مباشرة. لقد سلط الضوء على أمر يمكن حله بطريقة أسهل وبدون أن يُساء إلى السلطان.
إذن لابد من أن نعرف ان هناك أيدي لا نستطيع أن نقول أنها بريئة تحاول أن تجر السلطان إلى الساحة وأن تجعله مادة تلوكها الألسنة تمهيداً لأمر لا نعلمه. لا يمكن أن نعتبر كل ما يجري باسم السلطان هو بالضرورة يخدم السلطان، فما حصل من فساد قبل 2011 كان تحت مسميات التنمية والسياحة وووو بينما كان الواقع هو خلق "شرخ" بين المواطنين والسلطان. نحن نقول أن السلطان تدارك الأمر واختار الشعب وغير الكثير ووظف الكثير ولا تزال بعض أوامره قيد التنفيذ وبعضها قيد الدراسة ولكن الأحداث الأخيرة التي عقبت الأحكام التي صدرت أثبتت أن هناك قرارات غير مدروسة تنال من الصورة المرسومة للسلطان في أعين شعبه.
أتمنى أن تتوقف مهزلة التشهير والتشفي وأن لا يُجرّ السلطان إلى الساحة وأن يتم تجاهل ما يتم تداوله عن السلطان في النت. قبل الفيسبوك والإنترنت كان هناك الكثير من القصص التي يتم تداولها عن السلطان وكانت رائجة ولكن الأجهزة الأمنية لم تلاحق أحد(حسب علمي) فظلت كل تلك القصص مجرد أساطير لم تحط من قدر السلطان أمام شعبه. الآن وبعد أن لاحق الادعاء العام بعض الذين يكتبون في الفيسبوك فإنه بذلك يضع السلطان في ساحة الحدث ويركز كل الأنظار عليه وعلى ما يفعل ولا نستبعد ظهور كتابات أقوى من تلك التي اعتقل وحوكم بموجبها بعض المواطنين.
أخيرا..
لقد ساءني ما حدث من تشهير بالأخت منى حاردان وبقية من معها ومن قبلها في وسائل الإعلام الوطنية من جراء آلية نشر صورتها ولكن ما ساءني أكثر هو النزعة التي أوقعتها صدمة نشر صورتها في عقول بعض الشباب هنا في ظفار.
أتمنى من الجميع الهدوء خلال الفترة القادمة كما أتمنى أن لا تصب "الإدارة الأمنية" مزيدا من الزيت على النار التي لم تشتعل بعد.. أتمنى أن نُدار بطريقة مدنية وأن تتوقف كل أشكال النفوذ العسكري والأمني على الساحة.. الله يحفظ عمان ومن عليها.